قصة سورة المجادلة أو سبب نزول سورة المجادلة لعلها من الأمور الخفية عن الكثيرين، رغم أن سورة المجادلة وآياتها من السور المعروفة بل والمحفوظة من قبل الكثير من الناس، وعهدنا بالقرآن الكريم أنه مليء بالقصص والعبر والحكم والأسباب ، وذلك لأن نزول القرآن الكريم تزامن مع أحداث ووقائع حدثت ووقعت أثناء نزوله، فكان ذلك سببًا في نزول بعض السور والآيات التي كانت ردًا على تلك الحادثة، فإما لترد على المشركين أو لتعالج أمرًا أو قضية، وهذا كله لنعلم بأن هذا القرآن الكريم هو كتاب خالد لا شبيه له، محكم معجز في شتى جوانبه.
سورة المجادلة
سورة المجادلة من سور المفصل التي نزلت في المدينة المنورة، حيث نزلت بعد سورة المنافقون، وترتيبها في المصحف الثامنة والخمسون، ويرجع السبب في تسميتها بسورة المجادلة إلى بيان قصة المرأة التي جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، وتسمّى أيضاً بالظهار، وقد سمع، وقد تطرّقت السورةُ الكريمةُ إلى العديد من الأحكام التشريعية؛ كالظّهار، وكفّارة المُظاهر، وآداب المجلس، وحكم التّناجي، وتقديم الصدقة عند مناجاة النبي عليه الصلاة والسلام، كما أشارت السورة إلى اليهود والمنافقين، وحذّرت من مودّة أعداء الله.
أسباب نزول سورة المجادلة
- الآية الأولى: قول الله تعالى: «قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»، نقل أهل العلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت سبب نزول الآية الكريمة، حيث قالت: «تبارك الذي وسِع سمعُه كلَّ شيءٍ إني لَأسمعُ كلامَ خولةَ بنتِ ثعلبةَ ويخفَى عليَّ بعضُه وهي تشتكى زوجَها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهي تقولُ يا رسولَ اللهِ أكل شبابي ونثرتُ له بطني حتى إذا كبرتْ سِنِّي وانقطع له ولدي ظاهَر مِنِّى اللهمَّ إني أشكو إليك قالت عائشةُ فما برِحتْ حتى نزل جبريلُ عليه السلامُ بهؤلاء الآياتِ».
- الآية الثانية: قول الله تعالى: «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ»، ذكر أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن الآية الكريمة نزلت في أوس بن الصامت رضي الله عنه، وذلك عندما ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله -تعالى- الآية الكريمة، ثم أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بعتق رقبة، ولكنه اعتذر بعدم مقدرته المالية، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصيام شهرين، ولكنه اعتذر بعدم مقدرته الصحية والجسدية، فأمره بإطعام ستين مسكين، فطلب العون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فأعانه بخمسة عشر صاعاً ليطعم ستين مسكيناً.
- الآية الثامنة: قول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، ذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الآية الكريمة نزلت في المنافقين واليهود، حيث كانوا يتناجون فيما بينهم من دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم ظنّوا أنه قد بلغهم خبرٌ عن قتلٍ أو هزيمةٍ أو مصيبةٍ حلّت بإخوانهم وأقاربهم الذين خروجوا في السرايا، فكان المؤمنون يحزنون لذلك حتى يرجع إخوانهم وأقاربهم، فلمّا طال ذلك وكثُر، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بعدم التناجي من دون المسلمين، ولكنهم لم ينتهوا وعادوا للمناجاة، فأنزل الله تعالى الآية الكريمة.
- وأما قول الله تعالى: «وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ»، فقد ذكر أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن سبب نزوله أن رجلاً من اليهود قدِم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "السام عليك"، فردّ عليه الصحابة رضي الله عنهم، فسألهم النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً: «أتَدْرون ما قال؟ قالوا: نَعَمْ، قال: السَّامُ عليكم، قال: رُدُّوا علَيَّ الرَّجُلَ، فرَدُّوه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قلتَ: كذا وكذا؟ قال: نَعَمْ، فقال رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذا سَلَّمَ عليكم أحَدٌ مِن أهلِ الكِتابِ فقولوا: عليكَ»؛ أيْ: عليكَ ما قُلتَ، ونزل قول الله تعالى.
فضل سورة المجادلة
فضل سورة المجادلة فضل كبير مثل فضل جميع سور القرآن الكريم، وهو فضل عامّ، أما فيما يخص فضل سورة المجادلة بشكل خاص فقد ورد حديثان ضعيفان في فضلها، الحديث الأول: "مَن قرأ سورة المجادلة كُتِب من حزب الله يوم القيامة" ، وحديث عليّ: "يا علي من قرأها قضى الله له أَلف حاجة أَدناها أَن يُعتقه من النَّار، ونزلت عليه أَلْفُ ملك يستغفرون له باللَّيل، ويكتبون له الحسنات، وله بكلّ آية قرأها مثلُ ثواب مَنْ يطلب قُوتَه من الحلال"، وهو أيضًا حديث موضوع لا سند له في الموسوعة الحديثية، لذلك يجب التماس فضل قراءة سور القرآن الكريم بكونها كلام الله تعالى المنزل، وفيما يخص سورة المجادلة فإنها تًعلّم المؤمن دروسًا عدة، وتوضح له خبث اليهود والمنافقين.
أسماء أخرى لسورة المجادلة
نزلت هذه السورة في خولة بنت ثعلبة ولهذا سميت المجادلة نظرا لذكر قصتها في هذه السورة العظيمة، كما أطلق عليها أهل العلم اسم قد سمع نظرا لأن الله عز وجل افتتح هذه السورة بأسلوب التوكيد قد سمع كما أطلق على السورة اسم الظهار وذلك لأن ذكر بها أحكام الظهار وهي أن يحرم الرجل زوجته على نفسه بقول أنها كظهر أمه أو أخته وبهذا لا يجوز له أن يعاشرها معاشرة الأزواج.
أحكام وفوائد من سورة المجادلة
وردت العديد من الأحكام في سورة المجادلة، ومن هذه الأحكام حكم الظهار، والمقصود بالظهار أن يقول الرجل لزوجته: «أنتِ عليّ كظهر أمي»، أو غيرها من المحارم، أو يقول لها: «أنتِ عليّ حرام»، وعند ذلك تحرم عليه زوجته ولا يجوز له معاشرتها معاشرة الأزواج إلا بعد أن يكفّر عن يمينه.
وقد سبق ذكر كفّارة الظهار في قصة أوس بن الصامت وخولة بنت ثعلبة رضي الله عنهما، ويمكن استنباط الكثير من الفوائد من هذه القصة، منها تواضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الصحابة رضي الله عنهم، واهتمامه بهم، وحرصه عليهم، فعلى الرغم من كثرة مسؤولياته وأشغاله إلا إنه كان يُفرّغ نفسه لسماع شكواهم وحل مشاكلهم الحياتية والعادية.
ويُستفاد من القصة أيضاً أن للمرأة مكانتها في المجتمع الإسلامي، حيث إن لها حقوق، وعليها واجبات، كما إن الرجل له حقوقٌ وواجبات، فعلى الرغم من أنها ذهبت إلى رسول الله لتسأله عن مشكلتها سراً، إلا إن الله -تعالى- سمع قولها وأنزل آيات تبيّن المخرج من أزمتها، ومن أهم الدروس المستفادة أنّ علم الله -تعالى- يحيط بكلّ نجوى، ويجيب الداعي إذا أخلص في دعائه.