الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تقع إدارة بايدن في فخ الملالي؟


اعتقد أن ملالي إيران بصدد إعداد فخ استراتيجي جديد للولايات المتحدة، وتحديداً لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال رفع نسب تخصيب اليورانيوم إلى 60%، فبغض النظر عن دوافع الهجوم الاسرائيلي على محطة "نظنز" النووية الايرانية، فإن قرار الملالي برفع نسبة التخصيب ليس سوى سيناريو رُسم بدقة لتحقيق أقصى عائد استراتيجي ممكن من هذا الموقف الذي يستشعر فيه النظام الايراني حرجاً بالغاً جراء انحسار هامش المناورة أمامه في مواجهة القوة الاسرائيلية التي باتت تتحدث عن نفسها كقوة اقليمية وعالمية أيضاً (حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للقادة الأمنيين والعسكريين مؤخراً).
صحيح أن نظام الملالي ينتهج "التقية السياسية" ولا يجد غضاضة في ابتلاع الاهانة المتكررة الناجمة عن الضربات والاختراقات الخارجية المتتالية لمؤسساته الاستراتيجية، ويجد في كل مرة المبرر والحجج اللازمة للتهرب من الرد، أو القيام برد "محسوب" للغاية كما فعل مؤخراً في استهداف سفينة اسرائيلية في مياه بحر العرب، باعتبار أن أهم أولويات هذا النظام هي البقاء في الحكم وليست مصالح الشعب الايراني، بمعنى أنه يسعى لتحقيق أولوياته الأساسية للاستمرار في الحكم، ومن هذا المنطلق يمكن فهم قراراته ومواقفه وردود أفعاله تجاه التطورات المتعلقة بأزمة البرنامج النووي الايراني.
بعض المراقبين يعتقدون أن قرار الملالي برفع معدلات تخصيب اليورانيوم إلى 60% قد يكون له تأثير ايجابي على عملية التفاوض الجارية في فيينا، حيث يسهل مهمة الرئيس بايدن في اقناع النخبة السياسية المتشددة من الجمهوريين والديمقراطيين بالاسراع برفع العقوبات عن إيران، والعودة بسرعة إلى الاتفاق النووي من أجل منع الملالي من تخزين يورانيوم عالي التخصيب (60%) بكميات كبيرة تختزل المسافة بينها وبين القنبلة النووية؛ أي أن أن الإدارة الأمريكية قد تستفيد ـ في هذه الحالة ـ من الهجوم على محطة "نظنز"، بحيث تطرح هذا الهجوم وما نجم عنه كمبرر للإسراع برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على ملالي إيران، ولكن الواقع الموضوعي يقول أن ما تخشاه إدارة الرئيس بايدن قد وقع بالفعل، فالقرار الذي اتخذه الملالي برفع نسبة تخصيب اليورانيوم هو بكل المعايير مجازفة غير محسوبة، بمعنى أنها يمكن أن تعزز موقف الملالي التفاوضي كما يعتقدون، أي مضاعفة الضغوط  الواقعة على الجانب الأمريكي للإسراع برفع العقوبات المفروضة على إيران، ولكنه بالمقابل قد يضعف الموقف الداخلي للإدارة الأمريكية ويقلص قدرتها على "تسويق" أي قرار قد ترغب اتخاذه بشأن رفع العقوبات، وقد يحدث العكس تماماً!.
الشواهد تؤكد أن الملالي عازمون على أن يكون الرد على هجوم "نظنز" سيكون على مائدة التفاوض في فيينا، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي قال إن "هذا الانتهاك كان غباء إرهابياً لن يؤدي إلا إلى تقوية موقف إيران في المحادثات غير المباشرة التي تجري في فيينا مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين من أجل عودة الجانبين الأميركي والإيراني إلى التزاماتهما بالاتفاق النووي لعام 2015"، وهذا يؤكد مدى حرصهم على الاستفادة مما حدث وتوظيفه تفاوضياً للضغط على إدارة الرئيس بايدن، بمعنى أنهم سيحولون موقفهم الضعيف إلى فخ للمفاوض الأمريكي.
ولذا فإن الأرجح أن يقود التطور الأخير إلى إرباك بيئة الجولة الثانية من المفاوضات المقبلة في فيينا، فالتقدم النسبي الذي تحدث عنه بعض المشاركين قد يصعب البناء عليه في ظل وجود متغير جديد يجذب اهتمام كافة المشاركين، وهو مايفسر ـ نسبياً ـ حرص إدارة الرئيس جو بايدن وإصرارها على إصدار نفي واضح بوجود أي دور لها في الهجوم، وأنه لم يكن لديها أي علم مسبق به.
والحقيقة أيضاً أن رد فعل إدارة الرئيس بايدن تجاه التطورات الأخيرة بين إيران واسرائيل باتت موضع ترقب بين الأوساط السياسية الدولية، فالبعض يعتقد أن البيت الأبيض لن يسمح لرئيس الوزراء الاسرائيلي بتقويض المساعي الأمريكي للعودة للاتفاق النووي باعتباره الضمانة الوحيدة التي يرى الرئيس بايدن أنها الوحيدة للتصدي للتهديد النووي الايراني المتصاعد، بينما يرى آخرون أن واشنطن لن تغامر بإحداث توتر في العلاقة مع الحليف الاسرائيلي من أجل إرضاء الملالي. وهناك فريق ثالث يرى أن الهجوم يخلق مبرراً مقنعاً لتردد روسيا والصين في الضغط على ملالي إيران واقناعهم بإبداء مرونة مع الطروحات التفاوضية في فيينا.  وبالتالي فإنه لا يمكن القفز إلى استنتاجات مؤكدة بشأن السيناريو الذي يمكن أن تتبناه إدارة الرئيس بايدن لأن هجوم "نظنز" قد أسفر عن استنتاجات متضاربة بحسب وجهة نظر كل طرف ومصالحه ورؤيته للأمور.
والسيناريو الأسوأ في هذا المشهد ـ برأيي ـ أن تقع إدارة الرئيس بايدن في الفخ الذي نصبه الملالي والتعجيل برفع العقوبات، وهو قرار سيكون سيئاً بكل المعايير لأن ما تخشاه الولايات المتحدة قد وقع بالفعل، فالإدارة الأمريكية التي تضاعف جهودها لاقناع الملالي بالتراجع عن مستويات التخصيب المرتفعة ستجد نفسها ـ وقتذاك ـ في مواجهة عملية ابتزاز إيرانية لا حدود لها.
وأياً كانت دوافع وأهداف كل طرف في هذه المعادلة، فإن الخلاصة الأهم في المشهد الايراني المعقد ألا تسقط إدارة الرئيس بايدن في فخ الملالي هذه المرة، وألا تكرر أخطاء إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، التي عجلت بتوقيع اتفاق نووي ملىء بالثغرات من دون دراسات وافية لكل جوانبه وتبعاته، وألا ينجح الملالي في اثارة الخوف لدى القوى الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة، بعد رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، بدعوى أن هذا القرار يقرب إيران من السلاح النووي، كما ينبغي على من يخشى تعزيز موقف المتشديين الايرانيين وفرصهم في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة أن يدرك أن القرار الأخير في هذا النظام بيد المرشد الأعلى، وأن لعبة المزاوجة هذه باتت مكشوفة ولا تكاد تنطلي على أحد.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط