قال الدكتور محمد داود، المفكر الإسلامي، إن القرآن الكريم كتاب أُحكِمت آياته، فكل حركة وحرف وكلمة وآية وسورة إنما هي متصلة بالحِكم الربانية التي يعرف منها المقصود من هذا الكلام أو الحرف أو الحركة.
وأضاف «داود» خلال تقديمه برنامج «روائع البيان القرآني» على «صدى البلد»، أنه مِن اللافت للانتباه أن آيات القرآن الكريم حينما عبرت عن الإحسان للوالدين قالت: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» تكررت كثيرًا في القرآن الكريم إلا في موضع واحد، يقول الله عز وجل «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» (العنكبوت : 8)، ولم يقل إِحْسَاناً، فهل بينهما فرق؟.
وأجاب قائلاً: «نعم كل السياقات التي ورد فيها قول الله -عز وجل- «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، إنما كانت سياقات تُعبر عن أهل الإيمان، ويُبين الله عز وجل الإحسان الذي ينبغي أن يكون بالوالدين، فجاء التعبير على هذا النحو «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً».
وتابع: «مقارنة بسورة العنكبوت لم يكن الأمر يَخُص أهل الإيمان، وإنما كان الحديث عن الشرك والإشراك بالله تعالى، فموقع الإحسان بالوالدين هنا حين يكون الولد على الإيمان والأب والأم مشركين، فأحب القرآن الكريم أن يبين أنه ينبغي أن يكون الإحسان بالوالدين هنا، لكنه ليس في منزلة الإحسان للوالدين المؤمنين، فعبر بقوله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً».
وأوضح: «لو نظرت إلى كلمة «حُسْناً وإِحْسَاناً» فيها زيادة في عدد الحروف، وهذا الزيادة يوافقها زيادة في المعنى، فأنت تحسن للزيادة للوالدين على كل حال، لكن في حال الإيمان ينبغي أن يزداد هذا الإحسان، ولذلك عبر القرآن في سياق الإيمان والسياق التكليفي للمؤمنين فقال تعالى: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، أما في سياق أهل الشرك فلا ينقطع الإحسان عنهما ولكن عبر عنه بدرجة أقل فقال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً»
وأوضح: «هناك ملمح آخر، وهو نحن نقول في التعبير، حين نعبر عن الإحسان للوالدين نقول الإحسان إلى الوالدين، فالقرآن الكريم لم يعبر بذلك أبداً ولكن قال «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»، «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» فهل بينهما فرق؟
واستطرد: نعم، فحرف -إلى- يفيد انتهاء الغاية، يعني بينهما مسافة أو فاصل، لكن حرف -الباء- تفيد الالصاق، والله عز وجل، يريد أن ينبهننا إلى أن الإحسان ليس إلى الوالدين وإنما بالوالدين، أي الإحسان لصيق بالوالدين فلا ينفصل في أي لحظة عن الوالدين، بل هو مستمر مُتجدد في كل حال وزمن مهما تغيرت الظروف، إحسان لا ينقطع أبداً، لاصيق بالوالدين في كل حال، فعبر الله سبحانه «بالباء» في قوله تعالى «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» فهل بينهما فرق؟.
وأردف: «أما الجملة التي تعودنا عليها بـن نقول الإحسان إلى الوالدين، فمعناها أن الإحسان بينه وبين الوالدين مسافة قد يصل وقد يتحقق وقد لا يتحقق وقد ينقطع أحيانًا».