قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن مقولة (لا ينسب لساكت قول) هذا أصل من أصول الفقه الإسلامي والقضاء وهو أصل أيضا من أصول العدالة والإنصاف، وهذا قول الإمام الشافعي بعد تأمل الشريعة من ناحية والحياة من ناحية أخرى.
وأضاف علي جمعة، أن كثيرا من الناس للأسف خرجوا عن هذه القاعدة ؛فحادوا عن مقتضى العدالة وأخذ الساكت بجريرة غيره، وطالبوا المفترى عليه أن يتكلم وإلا صح الافتراء وثبت الاتهام، ولابد أن نعود في تأصيل ثقافتنا إلى مقتضيات العدل قال تعالى : (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل : 9] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة : 8].
وأشار علي جمعة إلى أن الإنسان إما أن يصدر منه قول أو فعل يحكي عنه أو لا يصدر عنه لا قول ولا فعل فينسب إليه، أما الحكاية عنه فتعتريها العوارض البشرية؛ ولذلك فقد تكون حقاً وقد تكون باطلة، فإذا كانت دقيقة وصادقة فلا إشكال. وعلى هذا تكون الشهادة لله قال تعالى : (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ) [الطلاق : 2] وإقامة الشهادة تستلزم الصدق فيها ومحاولة عدم الوقوع في العوارض البشرية، والعوارض البشرية هي : السهو : وهو إذا ذَكّره أحد تذكر.
والنسيان : وهو إذا ذكره أحد لا يتذكر.
والغفلة: وهي حالة يخلط فيها الناقل بين الأحداث ,والخطأ ويتمثل في الفهم غير الصحيح للقول أو الفعل ،وقد يأتي هذا الخطأ من التحمل أو من الحمل أو من الأداء، وأخطاء التحمل تتعلق بسماع جزء من الكلام أو بالخطأ في دلالة الألفاظ على معانيها أو نحو ذلك، وأخطاء الحمل تأتي من الجهل بالحقيقة والمجاز ،أو بحمل المشترك على معنى غير مراد للمتكلم ،أو عدم فهم النقل في اللغة ،أو التفريق بين المترادفات ،أو الجمع بين المتفرقات ،أو نزع الكلام من سياقه وسباقه ولحاقه ،أو الخطأ في التعميم وعدم مراعاة الشروط المقيدة للإطلاق ،وأخطاء الأداء تتمثل في العبارة التي يؤديها الناقل حيث لا تكون منطبقة على ما تحمل أو ما يريد لعجز في القدرة اللغوية أو لاستهانة بها.