الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لاظ أوغلى


 القيام بدور الرجل الثانى مهمة صعبة المراس خاصة فى الحكم والسياسة ، فلا يجيدها إلا القليلون جدا ، و يروى لنا التاريخ الكثير عن انهيار دول وممالك بسبب الرجل الثانى ، نتيجة الطمع فى السلطة والنفوذ . ولكن كان للرجل الثانى دور مختلف فى حياة مؤسس مصر الحديثة محمد على باشا ، فكان الصديق الوفى والمعين على تحقيق أمن وسلامة ونهضة مصر ، زاهدا عن ابراز دوره وإنجازاته ، ولا يقتصر الأمر على إخلاص الرجل الثانى فقط ولكن يعتمد أيضا على حسن إختيار الرجل الأول لمعاونية ، فنجح محمد على فى ذلك حين إختار محمد لاظ أوغلى لإدارة الشؤن الداخلية والجهادية (الجيش) ، وباغوص بك للعلاقات التجارية والخارجية ، وظلا يؤديا دورهما حتى وفاة كل منهما .

    أما محمد لاظ أغا أوغلى فجاء إلى مصر مع محمد على ، ضمن التجريدة العسكرية التى أرسلتها الأستانة للإشراف على خروج الحملة الفرنسية 1801م. 

 بعد انتصار المصريين على حملة فريزر 1807م ، أصبح لاظ أوغلى من أقرب المقربين لمحمد على باشا وموضع ثقته ، فعينه كتخدا مصر أى" رئيس حكومة" سنة 1808م ، فكان الرجل الثانى الذى ينوب عنه أثناء غيابه عن البلاد، وتعددت المهام التى قام بها فى الحكومة حيث تولى ضبط الأمن بعد تعيينه كتخدا مصر ، وفى سنة 1822م تولى لاظ أوغلى نظارة الجهادية " الجيش" فاستطاع تحقيق إنجازات كبيرة بجيش مصر حتى وفاته التى لم يعرف تاريخها .

أسس لاظ أوغلى دواوين ومصالح الحكومة وكان له مطلق التصرف فى شئون إدارة البلاد، تميزت فترة إدارته بالأمن والأمان بعد فترات طويلة عانت فيها البلاد من فوضى وسرقة ونهب فى بداية حكم محمد على باشا . كان لاظ أوغلى على دراية بأحوال وأخبار سكان القاهرة ، وبالمؤامرات التى كان يتم تدبيرها من قبل من اعتادوا السطو على حقوق المواطنين ويسلبون أموالهم ويتآمرون على الحكم والحاكم ، فكان له أعوان يتخفون فى هيئة باعة "جائلين" وعلى علم باللغة العربية والتركية ، يتردد هؤلاء على الساهرين من أصحاب البيوت الواسعة التى يفد إليها الناس من جميع الأنحاء لقضاء سهرتهم ويتبادلون الأحاديث وقبيل الفجر ، يقوم هؤلاء الباعة بتدوين ما سمعوه طوال هذه السهرة فى تقارير يلقون بها فى فتحة من باب لبيت كان يعرف "ببيت قفطان " بالقرب من بيت مصطفى باشا الكريدلى فى الساحة أمام المقام الزينبى ، ومن داخل هذه الفتحة توجد "مخلاه" توضع فيها التقارير ، ويوجد مفتاح هذا البيت لدى لاظ أوغلى نفسه ، وفى هذا البيت ، كانت تقيم سيدة تجيد العربية والتركية ، جاءت إلى مصر لتعليم محمد على باشا مبادئ اللغة العربية وقراءة التركية وكتابتها .
   
العجيب فى الأمر أن الجميع لا يعلمون لمن تقدم هذه التقارير، وحتى تلك   السيدة لا تعرف من يضعها ، وبعد صلاة  الفجر، تقرأ هذه السيدة التقارير وتلخص ما فيها وقبل الظهر يرسل الكتخدا محمد لاظ أوغلى "بغلة" لتحمل السيدة وأوراقها إلى القلعة حيث الشيخ يوسف – وهو مدفون حاليًا بجوار لاظ أوغلى –  فتقرأ عليه التقارير، وبناء عليه يتم أخذ الإحتياطات التى يجب على الحكومة اتخاذها لإتخاذ الإجراءات المناسبة لتجنب الاتفاقات التى كانت تتم أثناء سهراتهم وكثيرا ما أفادت هذه الأمور فى منع مصادمات غير منتظرة وبذلك وصل الأمن والأمان إلى نصابه فى أيام سبقها اختلال عظيم .

ولكى يستتب الأمن كان لاظ أوغلى يرى ضرورة التخلص من المماليك ، فهو صاحب فكرة مذبحة المماليك 1811م ، واقنع محمد على بها ، ونفذت بنجاح .

ومما يؤكد وفاؤه وإخلاصه لمحمد على ، قضاؤه على مؤامرة دبرها ما تبقى من المماليك وجنود البان منشقين على محمد على بقيادة لطيف باشا بدعم من العثمانيين للإطاحة بمحمد على عن حكم مصر ، فكان لطيف باشا على صلة وثيقة من محمد على إلى حد أنه أراد الزواج من ابنته ، وفى الوقت نفسه على صلة قوية بالأستانة ووعدته بتوليه الحكم . ارتاب لاظ أوغلى من لطيف باشا ، فحرص على مراقبته حتى تأكدت ظنونه . وأثناء وجود محمد على باشا  بالحجاز لمحاربة الوهابيين ، وكان لاظ أوغلى يتولى حكم مصر فى غياب الباشا ، اكتشفت المؤامرة وتقضى بقتل عائلة محمد على باشا بالقلعة ثم رجاله ، فأرسل لاظ أوغلى عساكره إلى القلعة مما يوحى بأنه سيعلن نفسه حاكما لمصر ، فتغيرت خطة لطيف باشا ليكون هدفه لاظ أوغلى نفسه ، ولكنه استطاع القضاء على المؤامرة وتمكن من قتل لطيف باشا والقاء أعوانه فى البحر . 

  ولأن لاظ أوغلى لم يكن يهتم بذكر اسمه أو تمجيد أعماله ، فعندما أردات الحكومة المصرية فى عهد الخديو إسماعيل عمل تماثيل لكل من محمد على باشا ومحمد لاظ أوغلى بك وسليمان باشا الفرنساوى ، فقد وجدت صور للجميع فى أوروبا ما عدا محمد لاظ أوغلى فلم تجد له صورة ، فطلبت الحكومة من "أحمد باشا الدرمة لى" بصفته محافظ مصر عام 1869م بضرورة إيجاد صورة للاظ أوغلى ولكنه لم يجد له صورا عند أسرته ولا من لهم علاقة به.

وذات يوم كان أحمد باشا ومعه ثابت باشا ناظر المعارف والأوقاف فى خان الخليلى فوقع نظر ثابت باشا على "سقا" حريم  فتحقق فى وجهه فوجده يماثل لاظ أوغلى فى الطول واللمحات فلفت نظر "الدرمة لى" نحوه وعلى الفور دعاه لمقابلته فى اليوم التالى ووعده خيرًا حتى لا يخلف الميعاد ، وبالفعل حضر السقا ، وكلف المحافظ أحد المعاونين بتفصيل بدلة تناسب عهد لاظ أوغلى وسيف ، وبعد استكمال الملابس والعمامة وكل ما يلزم ، تم التقاط صورة فوتوغرافية للسقا واعتبرت صورة لاظ أوغلى وقام المثال الفرنسى جاك مار سنة 1872م  بعمل تمثال له ، و الذى نراه حاليا فى ميدان لاظ أوغلى أو – المالية سابقًا – هو تمثال السقا الذى يشبه لاظ أوغلى .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط