الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صكوك الغفران


رحلت د. نوال السعداوي وكعادتها كان رحيلها يشبه حياتها أثار ضجيجا وعاصفة جدلية علي صفحات التواصل الاجتماعي وللأسف جدل يدعو للرثاء والشفقة علي حال مجتمعات تحجرت وانغلقت وأصبحت لا تعرف للاختلاف ثقافة  فمازال امامنا وقت طويل لنتحسس طريقنا لأدبيات الحوار. 
ومشهد من القبح  تكرر حدوثه مع كثيرين لكنه في حالة د نوال السعداوي فاق ما سبق وكأننا أمام منهج جديد ينتهجه البعض عنوانه الأبرز الشماتة والتي تعدت مرحلة الكراهية حتي وصلت حد الهستريا وهو مؤشر يدل علي خلل كبير أصاب انسانيتنا والمفارقة هنا ان من هاجموا الراحلة بابشع الصفات والالفاظ  بعد ما اصبحت ذكري هم من رافعوا رايات الفضيلة دفاعا عن الدين البريء من افعالهم واقوالهم والذي لايعرف سوي الرحمة والرفق ولين القول والتسامح ويراعي حرمة الموتي.
وهوس من نوع جديد جردنا من آدميتنا وحمل داعشية فكرية لدى البعض لا تقل في قسوتها عن العنف الجسدي والذي لا يكتفي بسب صاحب الفكرة الراحل بل ويتعقب المدافعين عنه إنسانيا وليس فكريا فقط وكل هذا يتم تحت عباءة الدفاع عن الدين وهو اخطر أنواع الإرهاب الفكري فخرج علينا مروجو الفضيلة وأصحاب صكوك الغفران المفتون في رحمة الخالق يسترسلون في محاكمات للراحلين  اقل ما توصف به بالبربرية.  
 وسواء اختلفت مع العديد من الاطروحات التي تناولتها د نوال السعداوي واتفقت مع عدد منها ولكنها ستظل قيمة إنسانية كبيرة ناضلت من اجل افكارها البعض يتفق أو يختلف حولها لكننا بلا شك لا نملك شجاعة تلك السيدة التي وقفت منفردة تغرد خارج السرب امام مجتمعات بأكملها تكافح أفكارا ظلامية وتدفع ثمنا غاليا من حريتها ومستقبل مهنتها .
وقعت في أخطاء منهجية ومعرفية كثيرة  نعم ولكنها امتلكت القدرة علي تغيير الوعي لدي كثيرين ولأجيال متلاحقة كانت بعض كتاباتها صادمة  نعم ولكني احترمت تلك القامة الفكرية التنويرية  التي أحدثت حراكا فكريا  في ظل ركود وعطب أصاب جزءا من  الحركة الثقافية.
 اتفقت معها جزئيا واختلفت معها كليا ولكن تقبلت ثقافة الاختلاف فهي لم تجبر أحدا علي اعتناق افكارها المتحررة والجريئة لتصبح من أكثر النماذج المثيرة للجدل. 
نوال السعداوي عاشت محاربة لم تكن تعرف  للمهادنة طريقا في رحلة واجهت فيها  تحديات ومواقف صعبة من التهديد بالاغتيال والتحريض عليها وصولًا إلى الاعتقال والسجن أكثر من مرة  بسبب آرائها  التي شكلت حالة فريدة من نوعها  خاصة بخوضها في تابوهات محرمة  مسكوت عنها  محظور مطارحتها والتي لاقي بعضها  قبولا مجتمعيا بعد سنوات عديدة من النضال أهمها تجريم ختان الاناث واستقلال المرأة .
كانت تصطدم بالواقع المعادي لأفكارها لكنها لم تخشاه  بل واجهته بشجاعة استثنائية على مدى سنوات من الكفاح المتواصل بدأ من خمسينات القرن الماضي حتي رحلت عن عالمنا في رحلة  عنوانها الرئيسي  حقوق المرأة لتصبح رمزًا واسمًا مرموقًا في عالم الفكر والثقافة والأدب عربيا وعالميا . 
 والجدل حول تلك السيدة التنويرية الجسورة  لن ينته بين مؤيد ومستهجن  لكنها ستظل  نموذج للمتمردات علي وقعهن  ملهمة بإسهاماتها فنارا لمن يسير علي دربها  رحم الله دكتورة نوال السعداوي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط