أسباب عديدة فسرت لنا سر تعلق الأطفال بأمهاتهم سواء فى عالم البشر أو عالم الحيوان . من الغريب أن هناك علاقة بين رائحة الأم و أطفالها . تؤثر الروائح على الإنسان بطرق شتى بصور غير إرادية أو محسوسة مثل المزاج و العواطف و الصحة العامة و الجهاز المناعي و نشاط الغدد الصماء. للروائح آثار واضحة على الإجهاد والتوتر في الحيوانات والبشر . استنشاق عطر ما ربما يفيد فى تخفيف الآثار السلبية الناجمة عن الإجهاد . يلعب الإجهاد دورًا رئيسيًا في الشيخوخة الدماغية.
هناك تأثير للروائح على الإدراك المعرفى و العواطف ، و لكن تأثير الروائح على الرضع لم يكن معروفًا،و الجديد اليوم هو أن تعرض الرضع للروائح الطيبة يحسن النمو المعرفى، و معالجة المعلومات التي تشمل الإنتباه و الذاكرة العاملة وفهم و إنتاج اللغة و حل المشكلات و اتخاذ القرارات و تحسن المزاج و زيادة فى الانتباه . علاوة على خفض توتر الرضع، و التعبيرات العاطفية ، و الابتسام ( زيادة فى الكم و المدة الزمنية )، و انخفاض معدلات البكاء، و التعبيرات الفموية ، و لمس الفم ،و إصدار النغمات من الفم.
فى عالم الثدييات ، يتعرف الوليد و الأم على بعضهما البعض عن طريق الفيرومونات. تعتبر الفيرومونات أدوات التواصل الغير لفظية الأساسية فى عالم الحشرات و الثدييات ، و عن طريقها تتمكن من اختيار شريك الحياة. الفيرومونات مواد كيميائية يفرزها الجلد ، لا رائحة لها ،تنتقل عن طريق الهواء،وتسقط على الجزء العلوي لتجويف الأنف الذى يرسلها للمخ فتثير الاهتمام بالفرد المرسل. الفيرومونات موجودة فى رحم الأم الحامل ، و تتبرمج ذاكرة الجنين على وجودها، و تعينه بعد الولادة فى التعرف على أمه دون غيرها ،وعلى قبول على الرضاعة منها .
الفيرومونات موجودة فى حلمات الأم. فى عالم الحيوانات توجد حلمات متعددة للرضاعة. تبين أن هناك مزيج من الروائح يميز ثدى الأم خلافًا للفيرومونات،و تبين وجود ذلك فى عالم الفيلة أيضًا. عند غياب هذا المزيج فى عالم الحيوانات لا يقبل الرضيع على الرضاعة ويموت . تتمكن الغزالة الرضيعة من التعرف على أمها البيولوجية( الحقيقية ) بشم الركبة الخلفية للإناث وسط قطيع مزدحم بالأمهات .
فى عالم القطط ، يتعرف كل مولود على الحلمة الخاصة به من القطة الأم، و يقبل كل مولود على الرضاعة من نفس الحلمة فى كل رضعة . أما الفئران، تتمكن الفئران الوليدة من الرضاعة مع أنها تولد عمياء . إنها تعتمد على الفطرة ، تلعق أنثى الفأر حلماتها بلعابها لإرشاد الفئران الوليدة الجائعة إلى أماكن الثدى العامر باللبن، ولهذا تهتدى الفئران لحلمات الأم بسهولة.عند تدليك ثدى الفأرة الأم بالسائل الأمنيوسى أو باللعاب تهتدى الفئران الوليدة لثدى الأم أيضًا.
رائحة الأم عطر يحسن المزاج . رائحة الأم بمثابة برفان طبيعى يفوح منها كلما اقترب منها الطفل ، خاصة الرضيع فيكسبه السعادة والطمأنينة والراحة النفسية و تجييش العواطف و دغدغة الأحاسيس. الأم كوكتيل من الروائح البيولوجية الطيبة.
فى عالم البشر كذلك تستطيع بعض الأمهات أن تتعرف على وليدها من رائحته. هناك مركبات طيارة فى منطقة ما حول الإبط و منطقة الهالة المحيطة بحلمة ثدى الأم خلال الحمل و بعد الولادة. عند مقارنة أطفال الرضاعة الطبيعية بأطفال الرضاعة الصناعية ، تبين أن أطفال الرضاعة الطبيعيىة يميلون للتعلق بأجزاء ثياب أمهاتهم اللاتى تلتصق بالإبطين أو الحلمتين. يمكن كوكتيل المركبات الطيارة الوليد من التعرف على الأم و ثدى الأم ، و لبن الأم ، و تقبل لبن الأم ، و التعلق بالأم .
كوكتيل روائح الأم خلال الحمل وبعد الولادة يتكون من خمسة مواد كيمائية . يستطيع الوليد التعرف على السائل الأمنيوسى للأم الذى كان يستنشقه خلال الحمل . لنجاح عملية الرضاعة خاصة مع الأطفال المبتسرين و الأم لأول مرة ، شم لبن الأم لفترات قصيرة عدة مرات يوميا يزيد من نجاح الرضاعة الطبيعية و القدرة على تقبل و مص و بلع لبن الأم.
نعمة الأمومة ستظل لغزًا يحير العلماء ، و كلما تعمقنا فى دراسة بيولوجية الأمومة فى الإنسان والحيوانات ، فوجئنا بأننا نعانى من الجهل الشديد بعلم الأمومة . إن الأم مدرسة ، لو أحسنا تطويرها لارتقت الأمة . تعزيز الأمومة له دور جوهرى فى تغذية الأجيال و الحد من الأمراض ورفع المناعة . البر بالأم يعنى البر بالوطن، و ضمان النجاح والفلاح فى الدنيا والأخرة. من الأهمية التمتع بالأمومة الحانية الحازمة الواعية لدور الأم فى تغذية الأجيال بالحب والغذاء والتنشئة الاجتماعية و التوجيه.الأم الحنونة ترفع ذكاء أطفالها . كلما توطدت العلاقة بين الأم وأطفالها كلما قل توتر الأطفال لسنوات عديدة .المواطن الصالح الناجح نتاج أمومة جيدة ، فلاتنسى فضل أمك ما حييت.