الخوف أحيانا ينجي صاحبه من الهلاك.. مقولة كونها عقلي وشعر بها وجداني لتتوازن أمور كثيرة في حياتي، فالشجاعة المطلقة انتحار لذلك يجب أن تتقيد القيم الإيجابية بحدود وخطوط مرسومة للوصول الى الهدف الإيجابي، فالخوف سلوك يراه البشر أنه "سلوك سلبي" يضع صاحبه في قالب الانتقاد والتوبيخ والأعذار الغير مبررة واللوم، بل يضع صاحبه في دائرة الاتهام والإجرام إن صح التعبير، حينما يرى البعض أن الخوف جريمة تقود صاحبها الى الهلاك، وأنا ضد هذه الرؤية ولكن بتصرف ومبررات.
وأتفق في جزئيات واختلف مع أخرى, فالخوف على طول الخط جريمة، ولهذا يجب أن يوجد الخوف في قلب كل منا كرادع يردعه ويرجعه عن الخطأ ويقوده ناحية الصواب، فالخوف من الله مثلا عنوان الصواب المطلق والأمل والعمل والكد والاجتهاد والمعاملة الحسنة وعنوان الرجولة بالالتزام ، والعطف والسمو الأخلاقي والأمانة والصدق والحق والكرم وكل القيم النورانية التي تقود صاحبها ناحية الجنة.
والخوف من وجهة نظري هو الالتزام بمبادئ إيجابية تقود صاحبها ناحية الصواب وإبعاده عن الخطأ الذى قد يقع فيه بسبب ما يسمى بالشجاعة الغير مبررة، لهذا أرى أن الخوف قيمة إيجابية زرعها الله في نفوس البشر كرادع دنيوي عن الخطأ وكمقوم أساسي للنفس البشرية للوصول بها الى الذات المثالية وليس كما يدعى البعض أن الخوف قيمة سلبية على طول الخط، فهناك قيم وسلوكيات قد يراها البعض سلبية ولها نتائج إيجابية إن وجدت مثل الخوف، فالخوف من الوقوع في الخطأ هو أعلى درجات المثالية.
والخوف هو صراط مستقيم طالما يضعه صاحبه في القالب المنضبط دون غلو ومغالاة، فالخوف من الأسد خوف مبرر والخوف من قيادة سيارة دون تعلم القيادة خوف مبرر، والخوف من سير شخص مغمض العينين خوف مبرر، والخوف على القيم والعادات والتقاليد خوف مبرر، والخوف على الوطن من الأعداء خوف مبرر، ولكل خوف استعداده وتقصيه وضوابطه التي تسمح لصاحبه أن يجتاز مرحلة الخوف والقلق الى الاطمئنان والسعادة.
المقدمة السابقة مدخل لسؤال منطقي يطرح نفسه عندي في هذا التوقيت بالتحديد هل ستزداد الفضيلة بازدياد حالات الخوف في الشارع؟!!.. والإجابة من وجهة نظرى أن الخوف الغير مبرر جريمة، واستغلال الترهيب للوصول الى ما يتمناه الفرد جريمة أكبر يجب أن تغلظ عقوبتها في القانون ويجب أن يتم تداركها بسلوكيات الناس من خلال التركيز على ما يسمى بزيادة الوعى المجتمعي أو الجمعي.
فالفتاة التي تسير في الشارع تخشى أن تتعرض للتحرش وبرغم عدم تعرضها إلا أن الخوف يزداد داخلها بازدياد حالات التحرش التي تظهر على الساحة الإعلامية، والتحرش جريمة لا تنال من ضحيتها فقط ولكنها تنال من المجتمع كله حينما يشعر أنه مجتمع مهدد، ولهذا فالخوف رادع على كل المستويات للمجرم الذى يفكر أن يقدم على مثل هذه الجريمة، كما هو رادع لمن أقدم ونفذ بشعوره الذى يقوده ناحية أنه وقع في ورطة لن يخرج منها، ومع هذا هناك خوف أخر يتخلل هذه الظاهرة وهو الخوف السلبى الذى ينال من عزيمة الأفراد والمجتمع كله إن لم يشعر أن له حماية ومظلة قانونية لن تسمح لأى شخص أن يقدم على جريمته وفعلته النكراء.
الخلاصة أنه كما للشجاعة دوافع متعددة تقود صاحبها ناحية الصواب فالخوف له نفس الدوافع وتزيد عليها، ذلك للوصول الى الصواب والمثالية، فالخروج من الجدل الدائر هل الخوف أفضل أم الشجاعة، فكلاهما الأفضل طالما يصبوا في مصلحة المجتمع والأفراد والقيم والعادات، وكلاهما جميل طالما يتم تطويعهم ناحية الشرع والقانون والأخلاق، فغياب الفضيلة لا تعنى غياب الخوف ولا غياب الشجاعة، ولكنه غياب الوعى.