شارك الدكتور حلمي السعيد علام، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، ببحث عن علم الكلام وقضاياه عند الفارابي تأصيلًا وتجديدًا ضمن فعاليات (مؤتمر إسهامات الفارابي في إثراء الحضارة الإنسانية) 15 ،16 مارس2021م.
وقال السعيد في ملخص بحثه، إن الإمام الفارابي، وارى الثري رُفاتَه، لكنه لم يوارِ فِكْرَهُ ونِتَاجَهُ العلميِ والفلْسَفيِ في شتى صُنُوفِ المعارِفْ. التى ثَرَّى بها الحضارةَ الإنسانية، ومن هذا النتاجِ كان علمُ الكلامِ الإسلامي وقضاياه. الذي يتَّسِمُ بالأصالةِ الفكريةِ الإسلاميةِ الرصينة، فلم يكُ الفارابِيُ مجردَ مرددٍ لآراءِ أفلاطونَ أو أرسطو، بل اتَّسَمَ بالصبغةِ الإسلاميةِ الرصينةِ الأصيلة، لذا يُعتبرُ هذا العُرسُ الثقافيُ، مناسبةً طيبةً لإثباتِ هذهِ الأصالةِ وطرحِها بصفةٍ وصيغةٍ تجديدية.
وتابع: وحتى ينهضَ علمُ الكلامِ الإسلاميْ بالمَهَمَةِ التي انْتَصَبَ لها ويبقى قادرًا على مواكبةِ تطوراتِ الحياةِ العلمية، فلا مَنَاصَ من إعادةِ طرحِه وطرحِ آراءِ مفكريهِ وفلاسفتهِ، ومنْ هؤلاءِ المفكرينَ والفلاسفةِ شخصيةُ هذا البحثِ "أبو نصرٍ الفارابيْ" الملقبُ بـ" المعلمِ الثاني"؛ حيثُ يَعرِضُ هذا البحثُ لبيانِ وجوهِ حيويةِ فكرهِ ودقةِ طرحهِ من خلال تعريفه لعلمِ الكلامِ بأنه صناعةُ الكلامِ وملكةٌ يَقْتَدِرُ بها الإنسانُ على نُصرةِ الآراءِ والأفعالِ المحدودةِ التي صرحَ بها واضعُ الملة، وتزييفِ كلِ ما خالفهَا بالأقاويل.
وأشار إلى أن الفارابيُ بذلك التعريف جمعَ لعلمِ الكلامِ وظيفتيه النظريةَ والعملية، كما بيَّن أنَّ هناكَ علاقةٌ قويةٌ بين علميِ الكلامِ والفقه؛ فالفقيهُ يأخُذُ الآراءَ والأفعالَ التي صرّح بها واضعُ الملةِ مُسلّمةً ويَجعلُها أُصولًا ،فَيَسْتنْبِطُ مِنها الأشياءَ اللازمةَ عنها. والمُتكلمُ ينصرُ الأشياءَ التي يَستعمِلُها الفقيهُ أصولًا من غير أن يَستنبطَ منها أَشياءَ أخرى، فإذا اتُفِقَ على أن يكُونَ لإنسانٍ ما قدرةٌ على الأمرينِ جميعًا فهو فقيهٌ متكلمٌ، فتكونُ نُصرتهُ لها بما هو مُتكلِمٌ، واستنباطهُ منها بما هو فقيه، بهذا يتضحُ سبقهِ في التأصيلِ لعلمِ الكلامِ وقضاياه، ومسايرةِ هذهِ أفكاره للمنظومةِ الفِكريةِ الكلاميةِ عبرَ الأزمنة، من هنا أتتْ أهميةُ الكتابةِ في هذا البحث، وكانَ موضُوعه بِعُنوانِ" علمِ الكلامِ وقضاياهُ عندَ الفارابيِ تأصيلًا وتجديدًا"وقدِ استخدمتِ الدراسةُ المناهجِ التالية: المنهجَ الوصفيَّ والاستقرائيَّ والتحليلي.
واستعرض السعيد، نتائج البحث على النحو التالي:أولًا: التجديدُ في موضوعاتِ علمِ الكلامِ وإعادةِ صِياغَتِها بطريقةٍ مُبسطة .وطَرْحِهَا وبيانِ أصالِتها ضرورةٌ يمُليها الواقع، ويُوجِبُها اضطلاعُ الأُمةِ بِمسؤُولِيتها، والنظرةِ الكليةِ المتكاملةِ دونَ التجزئةِ أو البترِ عن الأصل، وإثباتِ الأصالةِ والاستمراريةِ لموضوعاتِ علمِ الكلامِ لشخصيةِ البحث، وتأكيدِ تَمَسُكِهِ بهُويتِهِ الإسلامية.
ثانيًًا: ما قرره الفارابيُ عن الماهيةِ والوجودِ وتحقيقهِ الوَحدةِ بين رأيي الحكيمين. ولجوئهِ لتقسيمِ المعرفة: إلى معرفةٍ حسيةٍ، وعقليةٍ، يُبيِنُ لنا مدى المطابقةِ والمفارقةِ بينهُ وبينهما، سواءٌ في المنهجِ والمضمون، وتلك سمةٌ تُضاف إلى العمقِ الفكريِ والفلسفيِ لأبيِ نصرٍ الفارابيْ في تراثنا العربيِ الخالد.
ثالثًا: الفارابيُّ في تناولهِ لصفاتِ الله وذاتهِ. يبينُ لنا أنَّهُ وظَّفَ المفاهيمَ التي وظفها أفلُوطين في فلسفتِه الإلهيةِ كمفهومِ الواحد، المبدأ الأول، الخير، الموجود الأول ...إلخ، والتي تَهدِفُ أساسًا إلى تنزيهِ الذاتِ الإلهيةِ عن الكثرةِ والتعدد، فضلًا عن استعمالِ الفارابيِ للمفاهيمِ ذاتِ الدلالةِ الدينيةِ الإسلامية: كالباري تعالى، اللهُ عز وجل، والأولِ، والآخرِ، وقامَ برفضِ واستبعادِ كلِ ما من شأنهِ ألّا يتوافقَ مع جوهرِ عقِيدَتِه.
رابعًا: حَرَصَ الفارابيُّ على أن يتعامل بحذرٍ مع النصوص الأفلُوطِينية الوافدة. حتى لا يقعَ في خطأِ الإسقاطاتِ التعسفية. التي تُلْغِي التوافقَ بين فلسفتهِ ومبادئِ الدين الإسلامي.
خامسًا: ناقش مفكُرو الإسلامِ وفلاسِفتُه ومنهم الفارابيُّ فكرةَ الجوهرِ الفردِ من جِهَتِها الفيزيقيةِ "الطبيعية"، والميتافيزيقيةِ" الإلهية"، ليسَ من بابِ الترفِ الفكري، بل كانت هناكَ حاجةٌ ضروريةٌ لمناقشتِها، خَاصَةِ أنَّهَا مرتبطةٌ بالعقيدة، فقد كان الهدفُ الرئيسُ في فكرةِ الجوهرِ الفردِ عند مفكريِ الإسلام، تنزيهَ اللهِ تعالى عن النقص، وبَيانَ قُدرتهِ اللامحدودةِ واللامتناهية، وإثباتَ أزليتهِ وقِدمه.
وأخيرًا التوصياتُ متمثلةٌ في: تثمينِ عَقْدِ العديدِ من المؤُتَمرَاتِ العِلميةِ للتعريف بالكثيرٍ منْ علمائِنا؛ لتعميقِ صِلةِ الأجيالِ الحاضرةِ بِعلمائِهِم ورُمُوزِهم ولإِدراكِ ما قدموهُ لتاريخِ الإنسانية بأبعادٍ متنوعةٍ أثرت تأثيرًا إيجابيًا في الحضارة الإنسانية.