قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

مصطفى الشيمى يكتب : المريلة الكحلى

×

لا أعرف إن كانت تحب الناس أم تشفق عليهم، ولكن أرى فى عينيها حيرة تختلط بدموع تأبى أن تسقط من جفنيها، ينطوى بين ضلوعها الكتمان، ترى أنها ضحية وتفرض على نفسها سياجًا حديديًا يمنع الاقتراب أو التصوير.


خجولة، حساسة، جياشة العاطفة فهى لم تنس تلك الحادث الخشن والقبيح التى تعرضت له، وما زالت تتذكره برغم صغر سنها لغرابة الأمر بالنسبة لها، وقد كان كفيلًا بأن يقلب حياتها رأسًا على عقب.


منذ تلك اللحظة وهى تحاول أن تكون رجلًا حتى لا يتكرر الاعتداء عليها ونزعت براءة المريلة الكحلى بيديها حتى لا تُمزق مرة أخرى، فمشيتها عسكرية، وضحكتها مجلجلة مثل الرجال، وأغلب أصدقائها من شباب العائلة يضعون أسرارهم في خزينتها، واتبعت السلوك الرجالى الذى تخيله عقلها الباطن مرفأ أمان لها، وتعمدت أن تظهر أمام الجميع بتفكير فظ، وتظاهرات بتصرفات رجولية إلى أبعد حد.


شعرت بميول جعلتها تتخوف من نفسها تجاه الآخرين، بدأت الأمور تتعقد من ناحية والدها وتفسر حنان الأب بشيء آخر وبمرور الوقت ضاعت الفكرة تاركة وراءها شعورًا غريبًا تجاهه، ثم عادت المشكلة من جديد، فبالأمس كانت ستنام أختها الصغيرة بجانبها، فهربت وافترشت الأرض وأمضت الليلة فى خوف ورعب وابتهال وتضرع.


حاولت التمسك بالصلاة وقراءة كل ما كتب عن الأنبياء فكانت تصاب بحالات من البكاء والرعشة بعد ليالى تقضيها فى الدعاء، وأحيانًا تعتقد أنها ليست مؤمنة وكثيرًا ما تفكر وهى تصلى بأنه لا فائدة من سجودها طالما لم يغير فى خوفها شيء، وتتساءل: هل أنا واهمة؟ هل السبب هو كثرة انطوائي وتركيزي مع نفسى؟ أم أن السبب هو خوفى الشديد من الخطأ، أم أننى أصبت باللعنة حقًا؟ رغم أننى لم أفعل أى شيء أو أتسبب فى إيذاء مخلوق! كيف أندمج مع الناس وعاطفتى لا تشتعل إلا فى خيالى؟


أراها الآن عالقة فى شرفتها تتابع حركة السحاب الأبيض فى السماء الواسعة تحدثها بالدموع وتنتظر الإجابة، فمثل تلك الندبات المؤلمة كمثل الظواهر الطبيعية وتقلبات الفصول لا تنقضي ولكن جعلتها ترثى الروح بداخلها حتى لو كنت على قيد الحياة، فعندما يحاط الإنسان بعدم الإمكان من الخروج أو السير فى أى طريق وتسد عليه كل النوافذ، لن يتبقى له إلا بطولة واحدة هي بطولة القدرة على التحمل واعتياد الخضوع، وأحيانا يكون للصبر نصيب من تلك المعركة التي لم ولن تنتهي بعد.