EN 
تراثه الإبداعي شعلة مغناطيسية، أن تقترب مجرد اقتراب من وجدان بشر حتى تلتحم بمشاعره التحام النار بالحطب الجاف لترتفع ألسنة الوهج خضراء فى لون الحشائش صفراء فى لون السنابل حمراء فى لون الحقيقة التى تتدفق فى عروق البشر أجمل ما قرأت في وصف فنان الشعب سيد درويش بكلمات المبدع خيري شلبي، ورغم أن العمر الفني لسيد درويش لم يتعدَ العشر سنوات فإنه استطاع خلالها أن يصبح جزءا هاما من تاريخ الأمة ووجدان الشعوب العربية.
30 عاما ما بين الميلاد والمغيب فقبله كانت الموسيقى المصرية والغناء فنا للخاصة وعند رحيله كانت موسيقاه والحانة تتردد فى أنحاء البلاد ملكا للعامة من أبناء الشعب عندما بدأ حياته الفنية كانت الموسيقى المصرية لا تعرف غير الشجن والوجد وعندما انتهت حياته كانت الموسيقى تغنى الوطنية المعبرة عن كافة طوائف الشعب.
سيد درويش مفجر الثورة الموسيقية الذي نجح في نقل الألحان الشرقية من عليائها البعيدة عن المزاج المصرى والمنفصلة عن واقعه بمقاماتها التركية المليئة بالجمل اللحنية المعقدة والزخارف التي تعاني الجمود الفني أسيرة التحفظ شبيهة محبيها من الطبقة الأرستقراطية ليتجه بها خالد الذكر من القصور إلى قارعة الطريق نحو الأصول الشعبية.
فقد نجح فنان الشعب في أن يجعل للمصريين موسيقاهم المعبرة عنهم وعن جذورهم من خلال جملة موسيقية درويشية تحمل عبق مزيج حضاري وثقافي متنوع تميزت به الإسكندرية مسقط رأسه وتشم معها رائحة ملح الأرض الذي ينتمي إليه عموم الشعب فجمع بين التنوع والأصالة والحداثة في آن واحد بعد أن نقلها لمرحلة الواقعية التي استلهمها من واقع الشعب بكافة طوائفه وطبقاته فكانت المراة العاكسة لهمومهم وقضاياهم.
وظهرت البصمة الموسيقية لسيد درويش التي لا تخطاها أذن أثناء ثورة 1919 فكانت الحانة وكلمات بديع خيري بمثابة منشور سياسى مؤجج للضمير الوطنى والشرارة التي أشعلت ثورة المصريين الذين يتنظرون الانتهاء من تلحينه حتى يتغنوا به في مظاهراتهم.
ثورة أخري أحدثها سيد درويش بكسر المقامات المتجاورة فكان يقفز قفزات غير مالوفة ومن مقامات مختلفة واضعا مقاما موسيقيا جديدا لينطلق به معبرا من مقامات متنوعة تدخل القلب وتتسلل الي الروح متجاوزة وعابرة حدود الزمان والمكان وهو ما كتب لها الخلود والتفرد.
وكان الأسلوب التعبيري للجملة اللحنية ابداع اخر ادخله سيد درويش لأول مرة فى تاريخ الموسيقى العربية فاللحن كروان ينطق بالمعنى ويختزل الكلمات والمواقف الدرامية بل والحالة المزاجية المصرية ناسب بين الألفاظ والمعاني وناسب بين المعاني والألحان وناسب بين الألحان والحالات النفسية التي تعبر عنها في نسيج مبدع بإيقاعات جديدة متطورة.
سيد درويش حالة مصرية خاصة جدا خاطبت العقول وغازلت الأرواح أحد الأعمدة الهامة التي شكلت الهوية المصرية وغيرت شكل الموسيقى العربية أيقن أن الموسيقى لغة عالمية فعاشت ألحانه لأكثر من قرن من الزمان وستعيش لقرون عديدة مسجلا اسمه كعلامة فارقة في تاريخ الموسيقي العربية والعالمية تحية لروح خالد الذكر الشمس الابداعية التي لم ولن تغيب عن الوجدان.
