الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عيون حلوان


اشتهرت حلوان منذ اكتشافها من قرون طويلة بصفاء ونقاء جوها، وحماماتها التى تتدفق من عيونها بمعدل 500 متر مكعب فى الساعة، والتى تحتوى على نسبة كبريت مرتفعة إذا ما قورنت بحمامات أوروبا، فكانت تلك المنطقة حتى خمسينيات القرن الماضى، منتجعا عالميا للاستشفاء يرتاده المرضى من شتى بلاد العالم.


كان بمقدورنا الاإنفراد بتلك المميزات، بل وتعظيم الاستفادة من الثروة الطبيعية التى وهبها الله لنا، وجاءت الكارثة حين تدمرت الطبيعة الرائعة بعد إنشاء مصانع الحديد والصلب والأسمنت بها، والتى أفسدت جوها وأفرزت سمومها على صدور سكانها بل سكان المنطقة بأكملها، وتغير لون أوراق الشجر إلى اللون الأبيض فقد احترقت هى الأخرى، بعد أن أهملت عيون حلوان.


بدأت معرفتنا بحلوان حين كانت ملاذا لعبد العزيز بن مروان الذى تولى ولاية مصر فى عصر الخلافة الأموية من 65 – 85 هـ، فارا إليها من داء الطاعون الذى أصاب الفسطاط عام 70 هـ، فاستقر بها مع أهله وقد أغراه جوها الصحى وهواؤها الجميل فاتخذها مقرا له وزرع بها الأشجار والثماروبنيت القصور ومقياسا للنيل، وفيها ولد ابنه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ظلت حلوان هكذا طوال حياته، لكنها لم تحظ برعاية واهتمام من تلاه من ولاه الدولة الأموية، فتدهور بها الحال إلى أن أحرقها إبراهيم بك أثناء نزاعة مع رفاقه المماليك قبل مجئ الحملة الفرنسية.


أما شهرتها بالمياه الكبريتية، فكانت حين تم العثور على عين للمياه المعدنية بها سنة 1850م، وعلى الرغم من إدراك أهميتها فى علاج كثير من الأمراض، إلا أن أحدا لم يهتم بها، وظلت مهملة إلى أن أرسل الخديو إسماعيل سنة 1868م لجنة من رجال العلم لدراسة مياهها وكتابة تقرير عنها وبمجرد تلقيه التقرير كلف وزارة الأشغال العمومية ببناء حمامات فى موقع العيون.


وعلى ما يبدو أنه أثناء استقرار عبد العزيز بن مروان بها، تم الاستفادة من مياهها المعدنية فى العلاج، فعند حفر الحمامات الجديدة تم العثور على آثار لمبانٍ قديمة وحمامات من حجر وخزف وقطع من أعمدة ومنارات منقوش عليها كتابة عربية، كما عثر على دراهم إسلامية وغيرها من الآثار.



وقد توسم فيها إسماعيل أن تكون مدينة شهيرة يقصدها الناس من جميع الأنحاء فهى تضم عيونا كبريتية تشفى العديد من الأمراض.


ولأن عيون المياه الكبريتية التى اكتشفت غرب حلوان، تبعد 1500 متر عن حلوان، ويبعد النيل عن غرب حلوان مسافة 2500 متر تقريبا، أمر إسماعيل بإنشاء طريق من حلوان إلى النيل بطول أربعة كيلومترات وطريق آخر بطول 1300 متر ليتقاطع معه، وذلك تيسيرا على الناس للوصول إليها عبر النيل.


وللاستفادة من المياه الكبريتية أنشئت حمامات بجوارها وكانت من أكشاك خشبية فى بادئ الأمر، مخصصا 14 حوضا  لعامة الناس، وحوضا خاصا للخديو وآخر للأجانب، ثم تم إنشاء فندق كبير بأسعار متفاوتة للأغنياء والفقراء، ودار صغيرة للمرضى ملحقا بها صيدلية مع تخصيص طبيب لمباشرة علاجهم. 


ولجذب الناس إلى حلوان تم سنة 1877م، تشغيل خط سكة حديد من ميدان محمد على تحت القلعة مارا فى الصحراء شرق قرافة المماليك (على صلاح سالم حاليا) وضريح الإمام الشافعى ثم شرق البساتين فشرق المعادى ثم شرق طرة وصولا لحلوان، ويعرف هذا الخط حاليا بخط المحاجر.


كما شجع إسماعيل الناس على إقامة المبانى والفنادق، وبدأ بنفسه حيث أنشأ لوالدته قصرا بحلوان، وبالفعل أقبل كثير من الأغنياء والأعيان على التردد على حلوان بل والإقامة بها، ولم يقتصر الأمر على المصريين، ولكن أصبح الأجانب يفضلون حلوان شتاءً للاستمتاع بجوها ومياهها الصحية.


وللتحفيز على تعمير تلك المنطقة، كان على من يرغب فى البناء التقدم للحصول على المساحة التى يحتاجها بشرط أن يكون البناء على خمس المساحة فقط خلال مدة محددة مقابل سعر رمزى قدره جنيه واحد لكل 500 متر، وبعد إتمام البناء طبقا لشروط التنظيم تستخرج الحجة الشرعية لإثبات الملكية من مديرية الجيزة التى كانت حلوان تابعة لها فى ذلك الوقت.


ذاع صيت حلوان عالميا كمنتجع للاستشفاء، فعرض كل من صاحب كازينو مونت كارلو الشهير بإمارة موناكو "مسيو بلان" وصاحب كازينو هامبرج بألمانيا، على الخديو إسماعيل مبلغا كبيرا من المال مقابل التصريح لهما بفتح كازينو للقمار بحلوان، ومع أن العرض كان مغريا إلا أن الخديو رفضه حرصا منه بعدم الإضرار بشعبه واحتراما لمبادئ دينه.


أما الخديو توفيق فكان مولعا بحلوان فبنى له قصرا بها، فكان يذهب إليها مرتين كل شهر فأمر بزراعة الأشجار على جانبى الطريق بين الحمامات والنيل، وأصبحت حلوان منتجعا صحيا متكاملا وكانت تعزف الموسيقى كل جمعة للترفية على سكانها، وانتظمت مواعيد القطارات، وبنيت معظم المنطقة فى عهده، وظل توفيق يتردد على حلوان إلى أن توفى بها 1885م.


وبها افتتح الخديو عباس حلمى الثانى مؤسسة جديدة للحمامات، بنتها شركة سكك حديد مصر – حلوان، ونقل إليها مرصد حلوان سنة 1903م والذى أصبح المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية.


حول الملك فؤاد الفندق إلى مصحة فؤاد الأول، وأنشأ ذو الفقار باشا الحديقة اليابانية 1920م، ثم اشترى الملك فاروق كازينو سان جيوفانى الذى تحول إلى ركن فاروق أو ركن حلوان، وعلى مقربة من عين حلوان تم نقل متحف الشمع من القاهرة سنة 1934م والذى أسسه فؤاد عبد الملك ويضم نماذج مجسمة تجسد الطقوس الشعبية وجوانب من تاريخ مصر.


ومن أشهر زوارها للاستشفاء الإمبراطورة اليزابيث ملكة النمسا والمجر وملكة السويد وأمير ويلز ملك بريطانيا إدوارد الثامن.


وبعد ثورة 23 يوليو1952م، تحولت حلوان من مدينة الرقى والجمال والمنتجع الصحى العالمى إلى قلعة صناعية ومدينة التلوث والعشوائية.


 ولا أعرف هل القضاء على حلوان كان انتقاما من كونها من الأماكن المفضلة للأسرة العلوية؟ أم لسوء إدراك وتقدير لقيمة المنطقة فى السياحة  العلاجية؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط