تحل علينا اليوم الرابع من شهر مارس، ذكرى وفاة صلاح الدين الأيوبي الذى توفى فى عام 1193م، وهو السلطان الأيوبي الذي حرر القدس من يد الصليبيين.
هو الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي، المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن تحت راية الخلافة العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة.
ولد صلاح الدين في تكريت بالعراق عام 532 هـ/1138م وهو ينحدر من أصول غير عربية حيث يرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا، يرفض بعض ملوك الأيوبيين هذا النسب ويقولون: «إنما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم”.
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح واليًا عليها مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق، وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق وعشق دمشق عشقًا شديدًا، وتلقى علومه فيها، وبرع في دراساته، حتى قال عنه بعض معاصريه أنه كان عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية، وكان أكثر شغفًا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته.
وبالإضافة إلى ذلك، كان صلاح الدين ملمًا بعلم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر، فحفظ ديوان الحماسة لأبي تمام عن ظهر قلب، أيضًا أحب الخيول العربية المطهمة، وعرف أنقى سلالاتها دمًا.
تأسيس الدولة الأيوبية في مصر
كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي بحلول ذلك الوقت سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، لذا أصبح أسد الدين شيركوه هو الرجل الأول في البلاد، ودام على هذا الحال وصلاح الدين يُباشر الأمور مقررًا لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته طيلة شهرين من الزمن،عندما توفي أسد الدين، أسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين تحت ضغط من أمراء دمشق.
بعد سقوط مصر في أيدي الزنكيين المدعومين من أمراء دمشق، أرسل الملك عموري رسله لإرسال حملة صليبية جديدة شارحًا خطورة الأمر والتغير في ميزان القوى في المنطقة، فاستجاب البابا إسكندر الثالث وبعث رسائل إلى ملوك أوروبا، لكنها لم تجد أذنًا صاغية، في حين نجح الرسول المرسل إلى القسطنطينية بسبب إدراك الإمبراطور عمانوئيل كومنينوس اختلال توازن القوى في المنطقة، فعرض تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة عموري الأول، الذي وجد الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك نور الدين زنكي في مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذي كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك.
استعد صلاح الدين بشكل جيد، حيث تخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله واستبداله بحرس موالين له، استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة دمياط في 1 صفر سنة 565 هـ، الموافق فيه 25 أكتوبر سنة 1169 م، فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، وأرسل إلى نور الدين زنكي يشكو ما هم فيه من المخافة ويقول: «إن تأخرت عن دمياط ملكها الإفرنج، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها بالشر، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي؛ فلا يبقى لنا باقية»، وقال نور الدين في ذلك: «إني لأستحي من الله أن أبتسم والمسلمون محاصرون بالفرنج». فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في بلاد الشام وقام بشن الغارات على حصون الصليبيين ليخفف الضغط عن مصر.
وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر النهر، منعت وصول سفن الروم إليها، وهطلت أمطار غزيرة حولت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيأ للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا، بعد أن أحرقوا جميع أدوات الحصار، وعندما أبحر الأسطول البيزنطي، هبت عاصفة عنيفة، لم يتمكن البحارة – الذين كادوا أن يهلكوا جوعًا – من السيطرة على سفنهم فغرق معظمهم.
سلطان مصر
أخذ صلاح الدين يقوّي مركزه في مصر بعد زوال الدولة الفاطمية، وسعى من أجل الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه، وعزل قضاة الشيعة واستبدلهم بقضاة شافعيون، وألغى مجالس الدعوة وأزال أصول المذهب الشيعي الإسماعيلي، ثم أبطل الأذان بـ "حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر" وأمر في يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة سنة 565 هـ، الموافقة سنة 1169م، بأن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون جميعًا: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، كما أسس مدرستين كبيرتين في الفسطاط هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبّت مذهب أهل السنة في البلاد، وكانت هاتان المدرستان تُلقنا علوم الشريعة وفق المذهبين المالكي والشافعي.
بوفاة نور الدين زنكي في 11 شوال سنة 569 هـ، الموافق فيه 15 مايو سنة 1174م، وهو في التاسعة والخمسين من عمره، اصبح صلاح الدين سيد مصر الأوحد بشكل فعليّ، حيث استقل عن كل تبعية سياسية، ويُقال أنه أقسم آنذاك أن يُصبح سيفًا مسلولًا على أعدائه وأعداء الإسلام، وأصبح هو رأس أقوى سلالة حاكمة إسلامية في ذلك العهد، هي السلالة الأيوبية، لذا جرت عادة المؤرخين على تسمية المناطق التي خضعت لسلطانه وسلطان تابعيه بالدولة الأيوبية.
فى عام 1171 م أٌغلق الجامع اﻷزهر بأمر من صلاح الدين اﻷيوبي بعد زوال الخلافة الفاطمية في مصر والتي استمرت قرابة 200 عام وذلك للقضاء على كل ما يخص المذهب الشيعي وأيضا بسبب التعاليم الشافعية، التي ينتمي إليها صلاح الدين وفعل الأيوبيين مثله.
حمل صلاح الدين على عاتقه إعادة مصر إلى المذهب السني لما كان يمثله الأزهر كأكبر مؤسسة شيعية وقتها وتم منع صلاة الجماعة به، كما أمر صلاح الدين بإزالة شريط من من الفضة أدرجت فيه أسماء الخلفاء الفاطميين عليه من محراب المسجد، وأنشأت المدارس السنية في جميع أنحاء البلاد وتم سحب تمويل الطلاب كما اضطر اﻷستاذة الذين علموا وتعلموا المذهب الشيعي في عهد الفاطميين للبحث عن وظائف أخري.
ومع ذلك ظل اﻷزهر مركزا لتعليم اللغة العربية بالرغم من أن الدراسة توقفت بشكل رسمي إلا أنه سمح بإلقاء الدروس الخصوصية بالمسجد واهتم صلاح الدين بصيانة المسجد وقد رممت إحدى مآذن في عهده.
وبصفة عامة تعرض المسجد للإهمال في زمن الدولة الأيوبية مقارنة بفترة حكم سابقيهم وتعرضت مكتبته للدمار وأهمها مخطوطات تعاليم الفاطمية وتم حظر الصلاة فيه تماما بواسطة صدر الدين بن درباس، وهو قاضي عين من قبل صلاح الدين، ولكن في نهاية المطاف اعتمد اﻷزهر الإصلاحات التعليمية الجديدة التي فرضت إلي أن تحسنت أوضاعه كثيرا مع المماليك.