مر علي وجودي في بلاط صاحبة الجلالة ما يقرب من 25 عامًا، تعلمت طيلة هذه السنوات الكثير من أساتذتي ومن زملائي في نقابة الصحفيين.. عاصرنا ثلاثة أماكن، وشاهدنا في كل مكان اختلافات لا يمكن أن ننساها، لكن المكان الأول في شارع عبد الخالق ثروت، وهو الأقدم والذي كان يشبه إلى حدٍ كبير النادي، كان الأقرب لقلوبنا.
ولظروفٍ كانت تتطلب إخلاء المكان الأول لنقابة الصحفيين، لبناء مبنى جديد، اضطررنا للانتقال إلى مبنى قريب من قسم الأزبكية، ربما لا يحمل الكثير من الذكريات، رُغم مروره ببعض أيام الانتخابات، وكان وقتها الأستاذ إبراهيم نافع، نقيب الصحفيين المصريين، رحمه الله، قد وعدنا ببناء صرح لنقابة الصحفيين، بدلا من المبني الأقرب للنادي وهو الأقدم، وقد كان بالفعل بناء صرح نقابة الصحفيين المصرية الحالي.
وظل معنا الأستاذ إبراهيم نافع، رحمه الله، نقيبًا منذ أن توَّلى منصب نقيب الصحفيين حيث تم اختياره لمدة 6 دورات متفرقة.. تعلَّمنا خلال هذه السنوات من أساتذتنا العظماء، ممن سبقونا، أمثال الأستاذ رجائي الميرغني (رحمه الله )، الأستاذ مكرم محمد أحمد والأستاذ جلال عارف، الأستاذة أمينة شفيق، الأستاذ إبراهيم حجازي والأستاذ محمد عبد القدوس، أطال الله في أعمارهم جميعًا ومنحهم الله الصحة والعافية، الحماسة للانتخابات وما تعنيه أجواء الجمعية العمومية من انعقاد، في جو يملؤه الزخم والحب والشغف لمعرفة من يختاره الصندوق، وكنا نظل يوم الانتخابات جالسين أمام صناديق الاقتراع، حتى مطلع الفجر، لفرز الأصوات ومعرفة من الفائز.
وكان الأهم في هذه الأجواء، ليس فقط معرفة من الفائز، بقدر معرفتنا بأن هذا الشخص سيكون القيمة التي تضيف جهدًا وعملًا ملموسًا للمهنة وللنقابة وللمواطن المصري الذي كان له حق في رقبة الصحافة.. ولم ولن ننسى أبدًا حق هؤلاء على المهنة، ومنهم من هم شاهدون على العصر.. وكلٍ من هؤلاء كان له بصمته في النقابة، والأهم أنهم أنصفوا المهنة ورفعوا كيان النقابة والصحفيين، وانتصر المرحوم الأستاذ إبراهيم نافع لقانون عدم حبس الصحفيين.. أما عن سب الصحفيين أو إهانتهم من أي مسئول، فهذا لم يكن بالأمر المسموح ولم يُسكت عنه.. هؤلاء كانوا علامة فارقة في حياة الصحفيين وصنعوا أمجادًا للمهنة.
أما اليوم، وعلى مدار أكثر من 5 دورات انتخابية، بدأنا نلحظ أفكارًا ومفاهيمًا دخيلة من بعض الزملاء على فكرة الانتخابات التي لطالما عرفناها، وبما أننا على أبواب انتخابات جديدة والباب أصبح مفتوحًا للترشح لعضوية المجلس زائد النقيب في دورته الجديدة.. فبدأ يتردد إلى مسامعنا وبكثرة فكرة المصالح والمصلحة التي يحققها العضو من وراء المجلس.
ومع الأسف، بعض الزملاء الذين يتسابقون، أو بالأحرى "يتصارعون" على المقاعد، حاول البعض منهم، إقناعي بفكرة الترشح في الانتخابات، لتحقيق مكاسب مؤكدة، وسمعت منهم فكرة أنكِ لو ترشحت ووصلت لسدة المقعد، فذلك يؤهلكِ لرئاسة تحرير جريدة أو إصدار من إصدارات المؤسسات الصحفية.. وطبعًا لأنني لست من هذا النوع الانتهازي، فكان ردي أن عملي واسمي في عالم الصحافة كفيلان أن يؤهلاني لأي منصب أكون أهلًا له.
وأعتقد أن أي مبدأ قائم على تحقيق المكاسب الشخصية، فهو من خصائص الشخصية "الماكيافيلية" القائمة على المنفعة الخاصة.. فإذا كان المتسابق لا يفكر إلا في الجلوس على المقعد، على أساس أن هذا هو الباب الخفي لاختياره لمنصب رئيس تحرير، فهو مخطئ.. فاختيارات المسئولين في الدولة تتغير تبعًا للمنظومة الجديدة والقائمة على الشخصيات الكفاءة وليس الحسابات الأخرى.. كما أعتقد أن الدولة كلها تمر بإعادة اكتشاف لمهنة الصحافة والإعلام وما إذا كانت ستعود لرونقها القديم وتزدهر وتجد ما تقدمه للدولة والمواطن.. أم ستتلاشى وتختفي.
من قلبي: أتمنى أن كل من يفكر في الترشح للفوز بثقة زملاءه في النقابة، يعرف تمامًا ما ينوي تقديمه لخدمة الصحافة والدولة وكل زميل في النقابة.. وأتمنى أن نفكر في مبدأ المنفعة العامة وكيف نفيد الآخرين بأماكننا، ونتوقف عن الحسابات الشخصية التي تسحب من رصيد أعمالنا في الآخرة.. اللهم أحسن خاتمتنا.
من كل قلبي: يقول المولى عز وجل: "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب" صدق الله العظيم. إذا أمعنا النظر والسمع والاستماع لهذه الآية الكريمة، سنجد أنه إذا المرء اتقى الله في كل تصرفاته، وابتغى الصلاح وسعى بتقوى في عمله واجتهد فيه وأتقنه، سيرزقه الله خيرًا لا يُعد ولا يُحصى ولا أحد يستطيع احتسابه.
#تحيا_مصر #تحيا_مصر #تحيا_مصر.