الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد اليمنى يكتب: «الدين» ممزوج في خلقتنا

صدى البلد

يعتقد أصحاب نظرية "الفلسفة الوضعية" أن الإنسان يستطيع أن يعيش، ويُعمر في الأرض، ويخترع، ويسيطر على نفسه وعلى البشرية وعلى الأرض دون الحاجة إلى إله، وأنه لا يعوزه وجود الدين في حياته فالدين غيب والإله غيب ومبدأ التصديق بالغيب غير وارد في أدبيات الفلسفة الوضعية، وعادة ما يصل الأمر إلى التخبط في الغيبيات، أو إلى أقوال مثل قول " نيتشه " إنني أعلن موت الإله.

لقد خلق الله النفس الإنسانية بطبيعة تأبى الفراغ العقدى، والعقيدة هي ما يُؤمن به الإنسان تفسيرًا لأصل الكون والحياة، ومن ثَمَّ يصبح هذا التفسير هو أساس لمنهج حياته ولتفسير مصيره بعد الموت.

فإذا بحثنا في التاريخ البشرى لن نجد مجموعة بشرية إلا ولها عقيدة سماوية أو عقيدة غير سماوية لتفسير وجود الكون وأصل الحياة بعامة، وتفسير الوجود الإنساني وأصل حياة الناس بعامة.

يقول د "روبرت وينستون – Robert Watson" رئيس الاتحاد البريطانى لتقدم العلوم في كتابه "الفطرة البشرية" أن الحس الديني جزء من بنيتنا النفسية، وأنه مسجل في جيناتنا، وأنه يتراوح قوةً وضعفًا من إنسان لآخر.

ويؤكد "مايكل شيرمر – Michael Shermer" رئيس تحرير مجلة "الشَّكَاك"، أن الشعور بثنائية الجسد والروح أمر فطري مزروع فينا منذ ولادتنا.

والفطرة في العقيدة: هي العقيدة التي يستنبطها الباحث من فطرته أو من تفكيره في البحث عن الخالق.

والتشريع في العقيدة: هو المنهج السماوي الذي يضع القواعد المنُظمة للعبودية للخالق عز وجل.

 وبين هذا وذاك - من الفطرة للتشريع- يأتى عمل الشيطان فيجتال الإنسان عن عبادته التشريعية، أو عن فطرته السوية، فقد ورد عن النبي r فيما يرويه عن ربه ـ تبارك وتعالى ـ قال : (إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) "مسلم" .

 والحنف: هو الميل عن الضَّلال إلى الإستقامة. يقال : تحنّف فلان : أي تحرّى طريق الاستقامة، فكل طفل يولد مستقيمًا على الفطرة التي فطره الله تعالى عليها حتَّى يطرأ التَّغيير على فطرته.

وعدم وجود العقيدة يُؤدي إلى الفراغ النفسي الذي ينافى طبيعة النفس البشرية، والذي قد يؤدى بها إلى عدم الاتزان النفسي، والحياد عن الفطرة وما يتبعه من شذوذ في الفكر السوى، والانحراف عن كل ما خالف الطريق المستقيم للسلوك البشرى.

والسؤال الآن: لماذا يفكر الإنسان في اتخاذ إله له من الأساس؟

لابد أن يكون هناك شيء ما في ذات كل إنسان يعمل بمثابة الدليل الذي يُرشد صاحبه إلى خالقه - سبحانه في عُلاه-

وفي هذا السياق أتذكر مقوله للدكتور "مصطفى محمود" رحمه الله تعالى، في كتابه رحلتي من الشك إلى الإيمان يقول فيها: "ولو أنى أصغيت إلى صوت الفطرة، وتركت البداهة تقودنى لأعفيت نفسى من عناد الجدل، ولقادتنى الفطرة إلى الله U ولكننى جئت في زمن تعقد فيه كل شيء، وضعف صوت الفطرة حتى صار همسا، وارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغرورا واعتدادا"

وتقود الفطرة الباحِث عن ربه إلى أن يبحث في الاتجاه الذي يدله عليه قلبه، وحتى يأتي رسول من الله يُخبر عنه، يظل نور القلب هو الضابط في البحث.

وعليه، فما هو أساس الإيمان بالله تعالى؟

لقد حازت هذه القضية جزءًا كبيرًا من البحث، كما أثارث اختلافًا بين الِملَل والنِحَل، كل فرقة اتخذت موقفا خاصًا بها بحسب منهجها ومذهبها، وتتمثل القضية في البحث عن دور العقل في أساس الإيمان بالله U ، وهل هو المسئول عن ذلك أم أن الإيمان بالله U أساسه النقل أي "الوحي"؟

ولعل من أفضل الإجابات التي قرأتها على هذا السؤال ما كتبه الأستاذ الدكتور / فاروق الدسوقي:

"قال بعض المتكلمين "مثل المعتزلة" وأكثر الفلاسفة بأن النقل أو الوحي لا يورث اليقين إلا بما إشتمل عليه من براهين عقلية، كما أن الوحي برمته أو رسالات الرسل وكتبهم - بما فيها القرآن الكريم- لا يتم التصديق بها إلا بالبراهين العقلية، أي بالأدلة العقلية على صحتها، ومن ثَمَّ فإن العقل هو أساس النقل عند أكثر المتكلمين والفلاسفة بشتى إتجاهاتهم ذلك بأنهم انطلقوا من المقدمة الباطلة التي مفادها بأنه لا يمكن العلم بالرب سبحانه وتعالى إلا بالأدلة العقلية وأهمها عندهم دليل "الحدوث" وبقية الأدلة تدور حوله، متجاهلين بهذا حقيقة الفطرة.

والإيمان بالله تعالى ليس مَبْنِيًا أو مؤسسًا على الوحي - أي الكتب والرسل- لأن الإيمان بالله U أسبق في الوجود الإنسانى على الوحي.

كما أن الإيمان بالله تعالى لا يتأسس على العقل البشرى حيث أنه مغروس في النفس الإنسانية قبل إكتمال قوى الإنسان الفكرية، ونمو ملكاته العقلية، وهذا لا يمنع أن الإيمان بالله تعالى متوافق تماما مع الأحكام العقلية الصريحة الصحيحة التي هي بديهيات فطرية."