الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خسر 6 ملايين جنيه.. رحلة مينا من إدمان المخدرات 11 سنة للتعافي: بداية جديدة

مينا أثناء الإدمان
مينا أثناء الإدمان وبعد التعافي

«عندما هُزمنا أصبحنا عازمين» .. هذه المقولة كانت سببا في تغيير حياة شاب من صعيد مصر، حولته المخدرات إلى بقايا إنسان، هيكل جسدي بلا روح، على مدار 11 عاما تم استنفاذ طاقة أهله فيها وأموال وصلت إلى 6 ملايين جنيه، ليضع حدا لهذه الحياة المأساوية ببدء رحلته في التعافي، وفي غضون 5 أشهر استرد فيها الشاب الصعيدي حياته من جديد بتعافيه.


أصدقاء السوء
يروي مينا عبده تفاصيل رحلته لـ «صدى البلد»، المرة الأولى التي وقع فيها مينا عبده (29 عاما) في فخ المخدرات، كانت في عام 2004، حين أراد الطالب في مدرسة لغات تذوق «الأفيون»، "كنت بجرب مع قرايبي من سني"، لتصبح السيجارة لا تفارق يده رغم صغر سنه، متمردا على وضعه العام وطلب نقله من مدرسة اللغات إلى مدرسة أخرى عامة.


اعتاد مينا من محافظة قنا، تناول المواد المخدرة "تفاريحي" في المناسبات فقط على حد وصفه، حتى التحق بالفرقة الأولى بكلية التجارة ليتحول تناول المواد المخدرة من مرة واحدة شهريا أو كل شهرين، ليصبح يوميا، استمر مينا في تناول المواد المخدرة لمدة 11 عاما كاملة، نخرت فيها مادة «الأفيون» جسده وعضلاته وأحشاءه.


يروي مينا لـ «صدى البلد»، تفاصيل التحول من تناول مادة الأفيون ومضغها إلى استخدام الحقن، ليستمر لمدة 9 سنوات كاملة في استخدام الأداة، ويصبح الامر من الاستمتاع إلى مادة أساسية بشكل يومي، ويقول: "كنت بموت من الألم كل يوم، وتأثير المخدرات كان قويا على جسمي، كنت بموت كل يوم".


فصل من العمل
بعد التخرج كان يعمل مينا مساعد حفار في إحدى شركات البترول، وصل راتبه الشهري إلى 14 ألف جنيه، "كنت بصرفهم في أيام وميبقاش معايا ولا جنيه من يوم 20 في الشهر"، حتى أجرى المسؤولون بالعمل اختبارا دوريا للكشف عن تعاطي المخدرات، وبعد ظهور نتيجته إيجابية تم فصله من العمل.


بعدما كان كثير السفر، أصبح ملازما للمنزل، وسرعان ما افتضح أمره وعرف الاهل حقيقة إدمانه، بسبب تغيير شكله وطريقته المعتادة معهم، ويقول: "كانت معاناة ومحدش قدر يمنعني وكنت بهاجمهم دايما وأشرب بزيادة"، وفي السنوات الثلاث الاخيرة لم يجد أي عروق في جسده، "كنت بموت حرفيا"، فيما كانت تجلس والدته بجواره وتبكي باستمرار على ابنها الوحيد.


على فراش الموت
7 سنين استتر فيها مينا عن أعين أبيه وأمه، لا يجلس معهما على مائدة طعام واحدة، "ماكلتش معاهم في طبق واحد"، ليتحول المنزل إلى مكان للنوم فقط، ويقول "بعت أرض أمي وسرقت دهب منها وفلوس من أبويا"، ليقدر مبلغ الخسائر المادية بحسب القائمة التي أعدها في رحلة التعافي  بحوالي 6 ملايين جنيه.


الايام الاخيرة قبل بدء رحلة العلاج، كان يراود مينا شعور دائم بأنه سيموت، خاصة بعد فقدانه القدرة على تناول الطعام او الشراب وكذلك المواد المخدرة، "جسمي بقى أزرق ومكانش فيه عروق ظاهرة"، وكان يتردد في أذنه صوت يجعله يستيقظ مفزوعا من النوم، يخبره بأنه سيموت وهو مدمن خاصة بعد وفاة احد أصدقائه أمامه وهو يتعاطي المخدرات "كنت بقول انا هموت زيه وهموت وحش".


بداية جديدة
في صعيد مصر، يعد الالتحاق بمصحات أو أماكن علاجية أمرا يجلب العار على عكس القاهرة والإسكندرية، وبعد انتهاء المناقشات مع والده تفاجأ بأنه يفتح عينيه في مكان علاجي، كان قد نُقل بعد تخديره في نهاية عام 2019، "اتفاجئت لكن ناس اتكلموا معايا وبدأوا يهدوني".


الايام الأولى التي تواجد فيها مينا في (غرفة الانسحاب)، جعلته أشبه ما يكون بين الحياة والموت، كان جسده مشلولا على حد وصفه دون حركة، 16 يوما لم يستطع فيها مغادرة السرير يؤنسه في الغرفة صوت صراخه وأنينه، حتى وصل الأمر إلى تبول لاإرادي في بعض الاوقات، ليتفاجأ بإصابته بجلطات في كلتا ساقيه.


بعد مرور هذه الأيام الأشد صعوبة، تم نقله إلى مكان آخر لتأهيل السلوك، كانت التجربة غريبة خاصة مع اعتقاده أن المرضى في المصحات يتعرضون للتعذيب أو شحنات كهرباء، لكنه تفاجأ بعكس ذلك، ففي اليوم الأول له في مكان آخر لتأهيل السلوك وجد احتفالا مخصصا له "قالولي ارفع ايدك فوق واحتفل بعيد ميلادك"، وكأنه بتعافيه قد وُلد من جديد.


«بداية جديدة» اسم على مسمى كما وصف مينا، وذلك بعد لقائه بمتعافين من الإدمان ومدمنين في مرحلة العلاج، كانوا يرحبون به بـ "مبروك يا بطل"، شعر في البداية أن في الامر خدعة ما او تمثيلا لدعمه فقط ولكن اتضح انهم متعافون عادوا أحياء من جديد، وخلال تجربته معهم كانت تنصرف الأفكار التي تسيطر عليه برغبته في الانصراف من المكان.


تجديد العهد
وبعد مرور شهر، قابل متعافين آخرين يأتون للاحتفال بمرور 3 أعوام و 7 أعوام و 14 عاما وفترات طويلة قاوموا فيها العودة إلى الإدمان، رحلة مينا استغرقت 5 أشهر انتهت بتحوله إلى شخص جديد نادما على السنوات التي مضت هباء، "أجمل 11 سنة من عمري راحوا محستش بيهم".


مر العام الاول على مينا وهو متعافى من الإدمان، وهذا الأمر يدفعه للاستمرار في رحلته التي بدأها للعمل في المؤسسة نفسها، لرد الجميل ومساعدة غيره من خلال تجربته في التعافي والعودة إلى حياتهم من جديد، ويقول: "إحساس حلو، خصوصا إني بشوف صورتي وأنا مدمن مش بعرفني".