الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: مراجعة الأخطاء أخصر طرق النجاح

صدى البلد

الإنسان بفطرته لا يمكن أن يعيش بمفرده - يحتاج دائمًا إلى بناء علاقات صحية مع الآخرين، هذه العلاقات من المفترض بها أن تكون أفضل شيء في حياة الفرد، لكن طبيعة البشر أن يتأثروا بالظروف المحيطة فينعكس هذا التأثر على الحالة المزاجية فتمر بمراحل من الصعود والهبوط، وربما تتوتر وتنحرف عن المسار فتصبح مصدرًا للضغوط والمشاكل العائلية أو العملية أو الشخصية، وتضع صاحبها تحت الضغط العصبي طوال الوقت، والذي عندما يزيد عن الحد فإنه يؤدي إلى عزلة اجتماعية تتحول مع الوقت إلى عزلة في التفكير والإدراك، فيقف عاجزًا أمام تجاوز المشكلات وحلها حتى وإن كانت بسيطة، ويخطئ في تقدير الأشياء وقراءة المواقف بشكل صحيح، ولكن ما اقتضته حكمة الله تعالى وسنته الكونية أن يخطئ الإنسان ويُصيب، حتى أكثرهم حرصًا والتزامًا ليس عن الخطأ ببعيد؛ فكل إنسان خطَّاء بطبعه إلاَّ من عصمه اللَّه تعالى، ولا أدلّ على ذلك من  قول النبي - ﷺ : (كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون).

 
إذن الوقوع في الخطأ ليس هو الخطأ بعينه، وإنما الإصرار عليه هو المصيبة الكبرى، والناس فيه ينقسمون إلى تائبين ومصرِّين،  فمن أقام على الخطأ وأدام على تكراره، فهذا الذي يخشى عليه ويتفطر له القلب حزنًا وأسى بسبب إصراره وإقامته عليه بلا تفكير في تصحيحه حتى يُعرف بذلك بين الناس، فلا يثق به أحد ولا يأمنه غيره، فإذا ذُكر ذُكرت معه هذه الصِّفة، حتى يُسمى ويُدعى بها كالنَّمام والمغتاب والخائن والخمار والمرابي والعاق والمرتشي والسارق ومثلها كثير على ألسنة الناس .


أما من أخطأ ثم راجع نفسه واعترف بخطئه ثم استغفر وتاب عنه، غُفِر له من الناس وصار بينهم محمودًا وطالته نفحة البركة من الواسع العليم. 
والفَطِنُ هو الذي يلتمس العذر والغفران ويسعى على تصحيح أخطائه بلا مكابرة، ويدخل بالتماسه على ربه من الأبواب التي رضِيها وشرَعها لتحصيل البركة، ونحن دائمًا، وبخاصة في هذه الأزمان لفي مسيس الحاجة إليها؛ لنصلَ إلى ما نريد ونحصِّل ما نبتغيه من خيرَي الدنيا والآخرة ومن أقصر الطُّرق وأخصرِها؛ فإذا بارك الله زاد الخير ونما، وقلَّ الجهد والتعب.


ولننظر كيف استطاع رسول ﷺ في ثلاثٍ وعشرين سنة فقط، ووسط ذلك المحيط الضخم من الجاهليات أن يبنيَ أمةً عقِمت أرحامُ القرون أن تُنجب مثلها، واستطاع ﷺ أن يبني حضارة لم ولن تسعدَ البشرية بمثلها منذ مولدها إلى أن تُطوى صفحة الدنيا وتنتهي الحياة؛ فاستطاعت هذه الأمَّة الأمِّية التي خرجت من قاع الصحراء بأقل الجيوش عددًا وعُدة، أن تُسقط الإمبراطوريات العتيقة، وأن تَبسط سلطانها في أقل من ربع قرن من الزمان بالعدل، واستطاع علمائها أن يصنعوا المعجزات، حتى أن الواحد منهم في عمر قصير كتب من المؤلَّفات ما يحتاج منَّا لأعمار مديدة لنقرأها ونتعلم ما فيها، هذه الظواهر والانجازات الخارقة ليس لها إلا تفسير واحد يسمى البركة التي إن وُجدت وحلَّت، اتسعت الأوقاتُ، وتضاعفت الطاقات، وتحققت الإنجازات والمعجزات، وتكاثرَ الخير واستمر، وبقيَ واستقرَّ ليُنتَفَعَ به، وإن رحلت خرج الإنسانُ من الدنيا بلا زاد ينفعه مهما طال عمره وكثُر سعيُه، فيغادرها بلا أثرٍ يتركه خلَّفه؛ بسبب الإصرار على المكابرة، والإعراض عن مراجعة أفعاله وتصويب أخطائه؛ فكيف لمن لا يسمع إلاَّ صوت نفسه ويصرُّ على أخطائه أن يحصِّلها؟!


أصل المشكلة وأساسها هنا؛ زالت البَرَكَة وذهب الخير؛ بما اقترفته أيدي الناس من فساد، وقد بيَّن الحق تبارك وتعالى أن هذه الأرض التي بارك فيها قد مُلئت فسادًا بسبب أفعال العباد، فقال سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. فالذين يتَّبعون كتاب الله، ويعملون به، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار؛ يُبارَك لهم في قلوبهم وإيمانهم وأعمالهم، ويبارَك لهم في أرزاقهم ومعايشهم، ولقد أشارت نصوص القرآن والسنة إلى أسبابٍ تُلتَمَسُ بها البَرَكَةُ، كالتقْوَى والتوكُّل على الله مع الأخذ بالأسباب فقال عز وجل: {وَمَن يتقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:2-3].


فليس هناك أعظمُ بركة من أن يأتيَ للإنسان رزقُه من حيث لا يحتسب ولا يتوقَّع، وأن يكون الله عز وجل هو حَسْبه وكافيه، وأن يجعل له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا - إذا استغفره وترك الإصرار، فإن الخير سيتدفَّق عليه من كل جانب، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا } [نوح:10-12] .. وهذا النهج البسيط الذي لا كلفة فيه هو أقربُ الأسباب للنجاح وتحصِيل البَرَكَةَ من أخْصَرِ طرقها.