الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تطوير عزبة الهجانة


شعرت بسعادة غامرة لاهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتطوير عشوائية عزبة الهجانة،  نظرا للخطورة الداهمة  التي تمثلها هذه العشوائية على حياة المقيمين فيها، وكذلك على أمن و سلامة المناطق المحيطة بها . 

وسأسرد واقعية عشتها بنفسي مع سكان هذه العشوائية، جرت في منتصف التسعينات، عندما سرقت سيارة  زميل صحفي بوكالة أنباء الشرق الأوسط، يسكن بجوار النادي الأهلي بمدينة نصر،  فلجأ الي لكي أصطحبه  بسيارتي الى عزبة الهجانة بعد أن نصحه الجميع ،  بالذهاب للعزبة،  لدفع فدية لاسترجاعها ، قبل تفكيكها و بيعها لتجار قطع غيار السيارات،  من منطلق أن هذه العزبة هي الملاذ الآمن للخارجين عن القانون . 

 و بمجرد دخولنا للعزبة العشوائية ، بشوارعها القذرة،  و أزقتها الضيقة الغارقة في ذلك الوقت في مياه المجاري لعدم وجود شبكة صرف صحي على مستوى جيد ، انقض علينا مجموعة من الشباب لتقديم الخدمة المناسبة لنا و بدأوا بعرض الخدمات المتاحة  قائلين " إيه يا بهوات طلبتكم إيه حشيش ، أفيون ، بودرة " فقلنا لا ..... فقالوا "إذن تريدون برشام الهلوسة الجديد ، بس ده ثمنه غالي قوي لأن الطلب عليه كثير و مش متوفر قوي في السوق الا عندنا "..... فقلنا لا نريد حبوب هلوسة ".... قالوا " أمال عايزين إيه بتدوروا على طفل مخطوف" ... قلنا برضه لا ....قالوا"  ما تغلبوناش،  لو عايزين تغيروا زيت،  كناية عن متعة جنسية،  فده مش من اختصاصنا،  ده من اختصاص المعلمة ترترة"  ...فقلنا حاشا لله.... فقالوا" غلبتونا  امال عايزين إيه  عيل تشحتوا به"  و تابعوا قبل أن نبادر بالنفي " بس منظركم ولاد ناس مش بتوع تسول"  ...قلنا نريد أن تسترجع سيارة 128 سرقت من تحت منزلنا  بجوار النادي الأهلي بمدينة نصر،  فأجابوا " سرقة السيارات من اختصاص " بلية " الذي ترك العمل في ورشة الأسطى حسانين و اتجه لتفكيك السيارات المسروقة"  . وبشهامة أهل عزبة الهجانة  تطوع أحد الشباب و اصطحبنا الى  بلية  .  و أستقبلنا بلية بترحاب،  معتقدا انني أريد  قطعة غيار لسيارتي،  لكني نفيت    و ابلغته أننا نريد استرجاع سيارة 128،  سرقت من منزلنا  بجوار النادي الأهلي،  و بعد فترة من التفحص و النظر الينا بعين من الشك،  خشية أن نكون من المباحث،  وافق على التفاوض معنا بعد أن طمأنه  زميلي بأن  كل ما يريده هو استرجاع سيارته لأنه اشتراها بالتقسيط بمساعدة نقابة الصحفيين و ليس من العدل أن يسدد أقساط سيارة مسروقة  . فشعر بلية بصدق كلام الزميل متسائلا:"  هي 128 لونها  فضي"  فأجاب نعم فقال له " بس دي مهرها غالي قوي،  دي عربية  لسة  بورقها"  فقال له زميلي  و أنا رقبتي سدادة فأبلغه بأن  مهرها 500 جنيه،  فتدخلت و قلت "  500 جنيه كثير قوي ، بالقياس بالأسعار في ذلك الوقت"  فقال " كثير مين يا بيه،  دي ال 128 زيرو قرب سعرها من  10 آلاف جنيه .  و عند إتمام الصفقة ،  طالبنا بلية بالانتظار  لمدة ساعة واحدة فقط  حتى يتم الإتيان بالسيارة من الاجنس و هو المكان الذي يخصصه بلية لتفكيك السيارة لقطع صغيرة تمهيدا لبيعها   .  

أما الغريب في الأمر، فهي  حملة الهجوم التي تشنها القنوات التلفزيونية العميلة التي تبث من تركيا على قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطوير عزبة الهجانة،  رغم أن معالجة العشوائيات ، كانت على رأس مطالب المصريين خلال ثورة 25 يناير  . 

ولا أدل على خطورة العشوائيات من وقوع اختيار ، عمرو موسى،  وزير الخارجية السابق على عشوائية عزبة الهجانة،  ليعلن على أرضها عن برنامجه الانتخابي للانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2012 بوصفها المشكلة الأخطر التي تواجه المصريين،  لكونها أكثر المناطق فقرا و تهديدا، ونهاية فالعشوائيات ليست فقط مرتعا فقط للخارجين عن القانون،  و لزنا المحارم ، لكنها مصدر تفريخ للإرهاب ، ففيها يتم تجنيد كثير من الإرهابيين استغلالا للظلم  الذي يشعر  به سكان هذه العشوائيات   نتيجة   الحياة المهينة التي يعيشونها  . 

جدير بالذكر،  أن كارثة العشوائيات بدأت من بداية ستينات القرن الماضي ،  خلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، الذي حاول  معالجتها بمنع الهجرة من القرى للمدن الكبرى  خاصة من الصعيد إلى القاهرة و الاسكندرية ، لكنه تراجع عن ذلك أمام ضغوط أبناء الصعيد . و مع مواصلة  إهمال القرى و النجوع،  و تزايد معدلات البطالة فيهما ،  تفاقمت الظاهرة بزيادة معدلات  الهجرة خلال حكم الرئيسين،   أنور السادات،  و  حسني مبارك . و كان سقوط كتل صخرية من جبل المقطم ، على سكان عشوائية الدويقة،  في سبتمبر 2008 ،  بمثابة ناقوس الخطر الذي حذر بقوة  من  هذه الظاهرة الخطيرة ، مما دفع الرئيس مبارك لإنشاء صندوق لتطوير العشوائيات على أن يتم حل هذه المشكلة بحلول 2030 .  لكن ما تم تخصيصه لهذا الصندوق لم يكن يكفي لحل مشاكل  عشوائية و احدة ، فازدادت  المشكلة تفاقما  حتى اندلعت  ثورة 25 يناير،  لينتقم سكان العشوائيات للحياة المهينة التي  يعيشون فيها ليشاركوا بقوة في عمليات السلب و النهب التي رافقت هذه الثورة . 

  و رغم أن الرئيس عبد الفتاح  السيسي قد ورث إرثا ثقيلا يعود لأكثر من 60 عاما  ، إلا أنه قرر   اجتثاث مشكلة العشوائيات من جذورها بإعادة توطين سكان العشوائيات الخطرة ، و غير الامنة ، في احياء سكنية حديثة،  مثل حي  الاسمرات في القاهرة،  و غيط العنب في الإسكندرية،  على أن يتم تطوير العشوائيات القابلة للتطوير بالنهوض ببنيتها التحتية لتوفير حياة كريمة لأبناء هذه العشوائيات . 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط