الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القرآن عربي.. ولكل الناس!


يتساءل البعض عن نزول القرآن باللغة العربية؟، وعن سبب اختيار العرب وقد كانوا وقت نزول القرآن في جاهلية لتكون لغتهم هى لغة الكتاب الإلهي الأخير؟، ويرى البعض الأخر أن القرآن لا يفهمون منه شيئًا، ولفهمه يجب دراسة اللغة العربية وهى من أصعب اللغات حتى أن العرب أنفسهم لا يتقنونها، فلماذا يكون الكتاب الإلهي باللغة العربية الصعبة؟.

قال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى..) فصلت 44، في الآية (لِلَّذِينَ آَمَنُوا) و (وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) لم يتم تحديد جنسهم ولا لغتهم ولذلك هو لكل الناس.

وعن أصل اللغة العربية جاء في الروايات أن تسميتها بالعربية نسبة للنبي إسماعيل عليه السلام أبو العرب، أو أنها نسبة إلى يعرب بن قحطان أول من تكلم بها، أو أنها نسبة إلى العرب العاربة، وتعتبر اللغة العربية من أقدم اللغات وهى منذ 8000 سنة تقريبًا، واللغة العبرية منذ 4000 سنة تقريبًا، واللغة اللاتينية منذ 2500 سنة تقريبًا، وقد تم العثور على أقدم مخطوط مكتوب في أحد مناجم سيناء باللغة العربية وعمره 4000 سنة تقريبًا، واللغة العربية أغنى اللغات بالمفردات والجذور اللغوية بها حوالي 16000 جذر لغوي، واللغة العبرية بها 2500 جذر لغوي، واللغة اللاتينية بها 700 جذر لغوي.

ولا يوجد لفظ "لغة" في القرآن الكريم: (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ( الزمر 28، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون( يوسف 2، ولو كان للعرب فقط فما علاقة العرب وحدهم بالتقوى وبالعقل؟، و"لعل" في الآيتين تعود على كل الناس وليس العرب فقط.

وعن كلمة عربي في الآيات، لم ترتبط كلمة عربي في القرآن لا بلغة ولا بقوم، ولم تأتي كلمة عربي في القرآن للتعبير عن العرب وانما جاءت كلمة الأعراب من الأصل أعرب، وقد دخلت همزة التعدي على عرب فانقلب المعنى من الصريح في دلالته على الحق إلى النقيض وهو الصريح في دلالته على الكفر والنفاق، قال تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) التوبة 97.

ومثل كلمتي عرب وأعراب، تأتي كلمتي قسط وأقسط، قسط بمعنى ظلم ودخلت همزة التعدي عليها لتصبح أقسط وينقلب المعنى إلى النقيض وهو أزال الجور، فكلمة القاسطون بمعنى الجائرون عن الحق من الأصل قسط أي جار وظلم: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن 15، وكلمة المقسطين بمعنى المنصفين العادلين من الأصل أقسط: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8، ومثلهم كلمتي صرخ وأصرخ، صرخ يعني استغاث، وأصرخ يعني أزال صراخه وأغاثه: (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) إبراهيم 22.

وكلمة عربي تعني أن القرآن صريح في دلالته على الحق، وأنه يحمل صفات التمام والكمال والخلو من النقص، ولسان عربي بمعنى لسان واضح وكامل ومبين ومفصل، وتكون كلمة أعجمي معناها غير واضح وناقص ويحتاج لتفصيل وبيان.

فاللغة العربية بداخلها كلام أعجمي مثل باقي اللغات: (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل 103، مثلًا كلمة "فم" برغم أنها من اللغة العربية لكنها تعتبر من اللسان الأعجمي، لأنها لم تأتي في اللسان العربي وهو القرآن، والذي جاء فيه كلمتي "فاه" و "أفواه".

لذلك بتفسير القرآن حسب هذا اللسان الأعجمي فهمنا الكثير من معاني القرآن بشكل غير صحيح، وأخضعنا كلام الله تعالى لقواعد اللغة التي وضع قواعدها الناس، فأصبحنا نفهم الدين وأحكام الله بتلك القواعد النحوية، لهذا عندما بدأ تفسير القرآن ظهرت آراء متناقضة، بسبب البحث عن معاني الكلمات عند العرب وليس البحث عن المعاني في القرآن. 

واللسان يشمل اللغة، لكن اللغة لا تشمل اللسان، ولن نجد في قواعد اللغة العربية تفسير لوجود واو الجماعة مع المفرد والتي جاءت في القرآن مع المفرد أكثر من مرة: (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً) البينة 2، (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) البقرة 129.

وتم تفسير كلمة يتلو بأنها تلاوة بمعنى القراءة، ولذلك يقرأ معظم الناس القرآن وهم يحركون به ألسنتهم فقط ولا يقرءونه، لأن معنى يقرأ في القرآن يشمل الفهم والوعي، وهذا ليس معنى القراءة في اللغة العربية.

ولهذا نهى تعالى عن القراءة بدون فهم للقرآن وسماها تحريك اللسان: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ. ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة 16-19، والخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وتعليم لنا أيضًا، ويعني ألا يقرأ بتعجل، فإذا قرأه ووعيه فيتبع ارشاداته، أما لو قرأه بالمعنى اللغوي ولم يتبعه فهو لم يقرأه وإنما حرك به لسانه فقط.
قال تعالى على لسان النبي عليه الصلاة والسلام: (..وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ..) النمل 91-92، فالأمر بأن يتلو القرآن وأن يتبع القرآن وليس أن يقرأه فقط، يؤكد ذلك: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ) الكهف 27، أي اتبع ما أوحي إليك من القرآن .
لهذا فالقرآن يعرب عن نفسه ويظهر معانيه لمن يتدبره، وما نحتاجه هو معرفة جذور الكلمات ومشتقاتها، والفرق بين الفعل الماضي والمضارع والفاعل والمفعول به والمبني للمجهول وغيرها من المعلومات الأساسية في أي لسان، فالله هو الذي خلقنا ويعلم إمكانيات عقلنا، وأمر الجميع بالتدبر وليس فئة معينة من البشر. 

أهل العرب واللغة لسانهم بالمقارنة بلسان القرآن يعتبر أعجمي، وهذا اللسان الأعجمي يحمل للكلمة الواحدة أكثر من معنى متناقض، ولهذا تم وصف القرآن بأنه حمال أوجه، أي يحمل المعنى وعكسه، لأنهم أخضعوا كلام الله لقواعد البشر، مع إنه إن حمل أوجهًا فهي أوجه لنفس الشيء ولكن تم تصويرها من زوايا مختلفة.

قال تعالى: (الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان) الرحمن 1-4، فالله علم القرآن ثم خلق الإنسان وعلمه البيان، ومنحه العقل وسخره له ليتعلم ويفهم ويطبق، فالقرآن بلسان عربي مبين وبالتدبر فيه يتم تفعيل البيان الذي علمه الله للإنسان ويستطيع تبين وفهم معاني آياته، فالبيان الذي علمنا إياه الله أفضل من كل المعاجم العربية.

وبتدبر القرآن نتعلم منه لأنه سيتفاعل معنا فهو حي لأنه كلام الله الحي، ولو لم نفهم معنى آية أو كلمة نتركها ونفهم التي بعدها ونطبق، بالتطبيق سيتفاعل معنا القرآن ونفهم مع الوقت مالم نكن نفهمه، الله هو من سيحاسبنا حسب القرآن وليس حسب معاجم اللغة العربية.

لم يأمر تعالى بأن يتعلم الناس اللغة العربية ليفهموا القرآن، وإنما أمر بالتدبر، ولذلك علينا تدبر القرآن بإخلاص وصولًا للحق مما سيجعل المعنى يظهر أمامنا ونصل لفهم اللسان العربي بشكل أوضح، فالقرآن لا نحتاج معه لشيء يبينه، لأن القرآن نزل تبيانًا لكل شيء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط