الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هدى محمد تكتب: سَحَرُوا أَعيُن النّاس

صدى البلد

ذُكرت كلمة السّحر في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وهذا دليل على وجوده، وقد تم تناول هذا الموضوع كثيرًا من قِبل  العلماء، وتم تعريفه بأن مادة (سَحَر) مأخوذة من السَحَر وهو الوقت الذي يجمع آخر الليل بأول النهار، حيث يختلط ظلام الليل بنور النهار؛ فلا هو ظلام دامس ولا هو نور جلي، وهذا هو السّحر في الحقيقة: عمل جامع بين شيئين ظاهِرُه بخلاف باطِنِه، يُخيّل للناظر أنه واقع وما هو بواقع، دربٌ من التهيئات، وشيء من الخيال يعتمد فيه الساحر على خداع البصر باستخدام مؤثرات سمعية، وبصرية، وحركات سريعة لاتراها العين، فلدى الساحر خفة يد عجيبة، تم تدريبه عليها بشكل مُحترف، يعتمد الساحر غالبًا على استخدام أصوات مُرعبة وروائح عجيبة؛ تُهيئ عقل ونفس الناس لتصديقه والخداع بكل ما يقوله ويفعله بعد ذلك، فالعين تُسحر، والنظر يُخدع، والقلب يخفق، والجسم يرتجف، ولا شيء في الحقيقة يحدُث مصداقًا لما جاء في التعبير القُرآني :{  سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٍ) الأعراف آية :١١٦. 

هذه القصة _أى قصة موسى مع سَحَرة فرعون _يتضح فيها معنى السحر  جليًا، حيث خدع السحرة جميع الحضور حتى فرعون. وموسى أيضًا كان :  " يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ" طه آية: ٦٦، وتخيّل الجميع  أنّ الحبال والعصيَّ قد تحولت  لحيّاتٍ تسعى، بطريق الخداع وسحر الأعين واستخدام المؤثرات المختلفة؛ لكنها في الحقيقة لا زالت حبالًا وعصيًًا، لم تتغيّر مادتها ولم تتحول إلى شئ آخر، لذا كانت المفاجأة لما ألقَى  موسى عصاه، ماهذا؟!! لقد تغيّرت المادة بالكلية وتحولت العصا إلى حية كبيرة تسعى وتلقف كل ما أمامها، ولكن لم يستطع أحد من الحضور رؤية هذه الحقيقة إلا السَحَرة فالباقون كانت أعينهم مسحورة من قَبْل، لأن الساحر  يُؤثِّر في الجميع ولا يتأثر هو بشئ،  لذا فإنهم لما رأووا عصا موسى تحولت لحيّةٍ تيقنوا أنّه ليس سحرًا ولا خيالًا ولا خفةَ يدٍ؛ بل هى معجزة إلهية لايَقدِر عليها بشر عاديٌّ؛ بل إن الحقيقة الدامغة هي أن موسى نبيٌّ من عند الله. 

وكانت النتيجة: "{ فَأُلۡقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ" سورة طه آية: ٧٠ 
 لأنّ  السِّحر  هو عَمَلُهم، وأن ما قدَّمه موسى ليس بسحر، لقد فُوجئ فرعونُ برد فعلهم، فهو يريد منهم  دحض أفعال موسى، وتفنيد معجزاته، وإضعاف حجته لكى يتمكّن من القضاء على رسالته؛ فإذا بالسحرة يؤمنون به؛ لأنهم كانوا قادرين على رؤية الحقيقة والتفريق بين السحر والمعجزة؛ لذا لم يلتفتوا إلى تهديدات فرعون، لأنهم آمنوا عن قناعة. 

هذا هو_ باختصار _السحر الشائع بين النّاس والذي يستخدمه  غالب الدجّالين والمُشعوذين ليتربحوا من وراءه، والذي يُصدّقه بعض الناس كمُبرر يتحايلون به على إخفاقاتٍ يتعرّضون لها أو أمراض  يُعانون منها، أو فشل في العلاقات، أو ضيق في الأرزاق، أو تأخر في الزواج أو الإنجاب وغير ذلك الكثير، دون الأخذ بالأسباب ودون حُسن توكل على الله عز وجل؛ النافع الضار الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ونسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الحديث الذي رواه أبو هُريرة : ( مَن أَتَى كَاهِنًا فَصدّقهُ بِما يَقُول فقد كَفَر بما أُنزِل على مُحمّد)  أبو داوود.

- أمّا النوع الآخر من السحر الذي يستعين فيه الساحر بالجن لغرض إيذاء الناس فهو غير منتشر بصورة كبيرة حيث إنّ السّاحر في هذه الحالة يصبح عبدًا للجن، يُنفذ مايُطلب منه، ويرتكب الكبائر لإرضائه : "وَيَتَعَلّمُونَ مَايَضُّرّهُم وَلَا يَنْفَعُهُم...."، وفي النهاية :"وَمَاهُم بِضَّآرِّينَ بِهِ مِن أَحَدٍ إِلّا بِإِذْن اللَّه...." سورة البقرة آية :١٠٢