الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.محمد سيد ورداني يكتب: «كونوا لهم عونًا».. رسالة لا تنتهي ودورٌ لن يُملّ

صدى البلد

واجه العالم ولا يزال يواجه ظروفًا قاسية عجزت أمامها كل أشكال التقدم والنهضة، فلم يشهد العالم دعوات متتالية للتوحد تحت كلمة سواء مثلما شهد في مثل هذه الظروف الصعبة التي خوطبت فيها كل المؤسسات والهيئات باختلاف أماكنها وقدراتها للمشاركة بجهود مهما كانت ضئيلة في مواجهة هذا الفيروس الفتّاك covied-19 ، بل لم نر في وقت من الأوقات أن تتحد كل مجالات الحياة وتخصصاتها والقائمين عليها في البحث عن مخرج ينقذ البشرية من موت محقق ويسوقها إلى الحياة.


في ظل هذه المعادلة الصعبة، دائمًا ما يلجأ الناس إلى المؤسسات الدينية لتدلي بدلوها في هذا الشأن من واقع دور توعوي ومسئولية إنسانية، والأزهر الشريف صاحب الرسالة الإنسانية الخالدة منذ مئات السنين لم يتوقف لحظة في أداء دوره، فما أن ألقت تلك الأزمة بظلالها لتوقف عجلة الحياة، حتى كان الأزهر بجميع قطاعاته وبقيادة حكيمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب – شيخ الأزهر، معلنًا لحالة الطوارئ في مؤسساته التعليمية وفي جهاته الدعوية وفي لجانه العلمية التي جمعت على مائدة نقاشاتها تخصصات طبية واجتماعية ونفسية بجانب التخصص الشرعي، لتخرج برؤية واضحة رشيدة تبين للناس ما ينبغي أن يكونوا عليه من حال وما يجب أن يفعلوه في ظل هذه الظروف العصيبة.


وانطلاقًا من رسالة الأزهر الشريف ومكانة مؤسساته أسرد للقارئ الكريم جزءًا مهمًا مما أسهم به مجمع البحوث الإسلامية أحد الهيئات العلمية للبحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، والذي شارك بدور فاعل في مواجهة هذه الأزمة، فلم يتوقف لحظة في القيام بدوره وأداء رسالته التي شارك في صناعتها علماء أجلاء، ووعاظ وواعظات من مختلف محافظات ومدن وقرى الجمهورية، بل إن لجانه العلمية لم تتوقف عن قيامها بدورها في دراستها المستمرة للقضايا المعاصرة التي ترتبط بواقع وحياة الناس وتلبي احتياجاتهم المعرفية.

 

أدرك المجمع أهمية "قضية الوعي" في هذا التوقيت خاصة مع استهانة بعض الناس في تعاملهم مع الإجراءات الاحترازية، فأطلق حملاته التوعوية التي بلغت نحو (24) حملة توعوية إلكترونية، تستهدف رسائلها اتجاهات نوعية مختلفة ما بين دعوة واجبة لاتباع الإجراءات الاحترازية والاستجابة لأهل الاختصاص فيما يوصون به، وما بين توجيه مباشر لدعم جانب التكافل بين الناس واحتواء الفئات المجتمعية الأكثر تضررًا في هذه الظروف، حيث تخلّلت تلك الدعوات دعوة رئيسة، بل واجب وطني وإنساني وديني وهو التوجيه بالوقوف جنبًا إلى جنب مع فئة مجتمعية عرفت إعلاميًا بـ"الجيش الأبيض"، من أهل الطب والقائمين عليه ممن واجهوا الموت دون خوف وعرضوا حياتهم وحياة أهليهم للخطر حتى  يعيش الناس في أمان، فدعا المجمع الناس لدهم هؤلاء الأبطال في حملة استمرت منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن شعارها: "كونوا لهم عونًا"، كما أخذت تلك الحملات في اعتبارها أن يكون خطابها مناسبًا لكل شريحة وفئة مجتمعية وبأسلوب مفهوم ولغة سهلة، فجابت رسائلها صفحات التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والإنجليزية، ليكون لسان حالها "خذوا حذركم"، فصحتكم أمانة حافظوا عليها، وإذا منّ الله عليكم بنعمة فلا تنسوا غيركم وانشروا التكافل فيما بينكم واجعلوا التعاون عنوان حياتكم.


وعندما أخذ الناس يتساءلون كيف نُصلي؟، وكيف ندفن موتانا في هذه الظروف؟، وماذا لو أصيب البعض بهذا الفيروس وتعمّدوا الاختلاط بالناس؟، إلى غير ذلك من الأسئلة التي استقبل المجمع في لجان الفتوى التابعة له مئات منها، فإذا به يلبّي النداء وتعكف لجان الفتوى على دراسة تلك الحالات، كما تجتمع لجان المجمع العلمية وعلى رأسها لجنة البحوث الفقهية بحضور علماء من مؤسسات طبية عالمية ومحلية وعلماء اجتماع وقانون مع علماء الشريعة لتقول للناس "افعلوا ولا تفعلوا" برؤية وسطية رشيدة لا تعرف للتشدد طريقًا، وتأخذ في اعتبارها ما يحقق صالح الناس ويحمي بقاءهم، فالشريعة ما جاءت إلا لتحافظ على الناس وعلى حياتهم، وهو ما يبينه قول الحق سبحانه وتعالى "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" سورة النساء: أية رقم 29


في هذا التوقيت أعلن مجمع البحوث عندما اشتدت الأزمة في موجتها الأولى أنه قرر أن يكون استقبال الفتوى إلكترونيًا حفاظًا على الناس من التزاحم، واستمرارًا لخطته الاستراتيجية في مواجهة فوضى الفتاوى التي تصدر عن غير المؤهلين لها لحماية المجتمع من النتائج السلبية لتلك الفتاوى المضللة التي تخالف التعاليم السمحة للإسلام، فاستقبلت لجان الفتوى المنتشرة في كل مدن ومراكز الجمهورية والبالغة (230) لجنة فتوى رئيسة وفرعية، أسئلة أجابت عليها واقتربت من (257825) سؤالًا خلال عام 2020، في تخصصات متنوعة قبل إغلاق الرئيسة منها، فضلًا عن الرد على بعض الشبهات المثارة، والمسائل العاجلة والمتعلقة بأزمة كورونا.


كذلك لم يغفل المجمع النشر الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة وبلغتين يلبي من خلالهما حاجة القارئ، فقام بنشر ما يقرب من (7160) منشور توعوي في عام الأزمة لنشر القيم الأخلاقية وعلاج المشكلات المجتمعية المختلفة"، استهدف كل منشور منهم توجيه رسالة مهمة في هذا الشأن، كما نشر المجمع عبر صفحات التواصل الاجتماعي، مجموعة من الفيديوهات التي يتم إنتاجها داخل المركز الإعلامي وتتعلق بالقيم والأخلاقيات وبعض الرقائق، بلغت نحو (4937) فيديو لعلماء المجمع ووعاظ وواعظات الأزهر الشريف.


في إطار تلك المسئولية المجتمعية قام المجمع بتنفيذ الكثير من البرامج التوعوية الإلكترونية خلال فترة الأزمة، وما أسفرت عنه من توقف لكثير من الشعائر والطقوس الدينية التي ينتظرها الناس كل عام، فمنعتهم الظروف الحالية من ممارستها كما حالت دون التواصل المباشر معهم؛ فاستبدلها بحزمة من البرامج الإلكترونية التي نفذها بمشاركة وعاظ وواعظات الأزهر الشريف وشهدت إقبالًا من جانب الفئات العمرية المختلفة، كما نشر المجمع من خلال هذه البرامج مجموعة من السلاسل العلمية والأخلاقية، والتي قدّم من خلالها مجموعة من النصائح والتوجيهات الأخلاقية اللازمة لمعالجة المشكلات الأخلاقية المتأزمة والتي يعاني منها المجتمع في جميع أوقاته، وخاصة في الوقت الحالي الذي نعيش فيه، لدعم جانب الإحساس بالمسؤولية المجتمعية في الحياة.


إنه جزء من كل، فليس بغريب على الأزهر وعلمائه أن يكون لهم الباع الأكبر في وقت الشدائد، فالأزهر الميمون رسالة لا تنتهي ولرجاله إرادة لن تموت، علموا جلّ رسالتهم فكرسوا الجهود من أجل أدائها حق الأداء.