الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ريهام الزيني تكتب: في حروب اليوم الأخلاق أيضا تتصارع؟!

صدى البلد

عادت إلى واجهة قاموس المصطلحات المتداولة إنشغال أذهان الكثيرين في ساحة الأوساط والدوائر والنقاشات الإستراتيجية بالبحث في مغزى تردد مصطلح "الحرب العادلة" والعلاقة بين "الأخلاق والحروب"، وترافقت لتؤكد أهمية احترام البعد الأخلاقي أثناء اللجوء للحرب،كي تتحقق العدالة، وتقلل الأضرار الناجمة عنها، لذا أود أن أركز في مقالي على هذا الموضوع الذي لم يلق اهتماما مماثلا من وسائل الإعلام المختلفة.

في عالمنا اليوم كثيرا ما نري حروبا بين أفراد الشعب الواحد ينتج عنها مئات الآلآف بل الملايين من الضحايا، وأما المدنيين دائما ما يشكلون في سياق هذه الحروب هدفا مباشرا لتلك الهجمات.

وعلي الجانب الآخر، نجد أن الأطراف الرئيسية المشاركة في حروب اليوم ليست بالضرورة أن تكون دولا،ولكن قد تكون بين أفراد الأسرة الواحدة التي تفتقد للقائد المحنك والرجل الموفق البارع في إتخاذ القرار الحكيم،أو بقايا مؤسسة فاشلة تعتمد علي أشخاص غير أكفاء لتولي مناصب قيادية كبري حيث يبتعدون بأميال عن أولويات أخلاقيات المهنة أو ربما ميليشيات مسلحة غير تابعة لأي دولة أو حتي تحالفا من قوات دولية يجرى تجميعها لمواجهة دولة ما. 

وفي هذا السياق نرى فى حروب اليوم بعض صناع القرار وأرباب العمل يلجأون إلى استخدام أسلوب "السياسة الواقعية" من أجل إباحة ارتكاب جرائم تعذيب إتجاه الشخص محل التحقيقات، عن طريق التحايل على النص القانوني الأخلاقي،من خلال تبني وسائل جديدة تؤدي إلى إلحاق الضرر به،ولكن بإستخدام ما يسمى بـ"وسائل تقنية حديثة"، وذلك بوضعه في مواقف تسبب له ضغطا عصبيا شديدا لا يمكن لبشر تحمله،بحجة الحفاظ علي مستوى المؤسسة.

ومن هذا المنطلق نستطيع القول، إن التزاوج بين التكنولوجيا الحديثة وعمليات القصف الإستراتيجي لأشكال الحروب المختلفة قد أفرزت قدرة غير مسبوقة على إسقاط المئات و الآلاف بل الملايين من الضحايا والقتلى.
 
وما أحاول إيصاله قرائي الأعزاء، أن المنخرطين في تلك الحروب وكأنهم يقولون لنا:"عندما تقرع طبول الحرب فلتذهب الأخلاق إلى الجحيم، ولتذهب معها أخلاقيات الخلافات والحروب المنصوص عنها في الحضارات القديمة والأعراف والشرائع الدينية المختلفة".
 
وبالنظر إلى الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم يتعين علينا أن نسأل أنفسنا:أي من المدرستين إنتصر؟،المدرسة"الأخلاقية/ المثالية"أم مدرسة"السياسة الواقعية"؟ ولماذا؟

 والإجابة عن هذين السؤالين يمكن أن نجدها في شريان المستجدات الكائنة على مسرح العمليات القتالية التي أجريت مؤخرا، وأري أن كل الشواهد تشير إلى طغيان فكر مدرسة"السياسة الواقعية"كمرجع أول يلجأ إليه صانعو القرار في عالمنا اليوم مهما اختلفت أيديولوجياتهم.

فلا يدع مجالا للشك،أن الحرب أداة مشروعة، لكن الإخفاق في الالتزام بأعرافها وقواعدها الأخلاقية العادلة يخلف على الدوام بحارا من الألم والمعاناة.
 
وعلي الرغم من المعايير الأخلاقية الثابتة والظروف المتغيرة لأشكال الحروب المختلفة، أري أن الباب مازال مفتوحا أمام إحداث "تغير جذري" في قواعد الحرب ومقتضياتها، مما يجعلني أجزم أن تعاليم"الحرب العادلة"لا تستند إلى مبدأ ثابت،بل هي بالأحرى عادات وسلوكيات تطورت على مدار عقود ولا تزال محل استجابة للظروف المتغيرة للحرب.
 
وهنا علينا أن نتذكر دوما أن القوانين والأخلاق هي الرابط الوحيد الذي يحافظ على بقائنا داخل حدود الإنسانية، وتمكننا من أن نحافظ عليها،ليس فقط في زمن السلم ولكن زمن الحرب أيضا،وهو ما يعلي من قدرنا.
 
لذا علينا أن نكافح لنحافظ على إنسانيتنا وعدلنا وأخلاقنا وشرفنا وعفتنا حتى في أقسى الخلافات وأصعب المعارك الوحشية،ليزيد من عزم قوتنا وإحترامنا لأنفسنا، وإحترام الآخرين لنا.

أدرك أسفا أني في هذه السطور لم أخترع الذرة و لم أقدم الجديد كما تعودتم مني، لأنه واقع يكرر نفسه ويجتر تفاصيله كل يوم،وكأنه أصبح قدر علينا أن نبقى رهينة لزمن متوقف جامد لا يتحرك قيد أنملة،لتظل المشاكل التحديات كما هي مع إضافات تزيد الحال ضنكا و تعاسة.

والحق أنني لست متشائمة، ولا أطمع أن تتحول الدنيا بين عشية وضحاها الي قطعة من الجنة أو المدينة الفاضلة، وفي ذات الوقت لا أطلب المعجزة والمستحيل، ولكن أقصى ما أطالب بيه هو عيش الشعوب والأفراد بكرامة في ظروف تحفظ لهم إنسانيتهم وحقوقهم العادية.

لقد تعودتم مني على الصراحة، ولذلك بادرتكم بالقول بأننا نمر بمرحلة صعبة،ضمن ما يمر به العالم كله،ولكي تتحقق تلك العدالة في عالمنا الحاضر،ينبغي أن تستفيق الضمائر الغافلة وتنتهي البيروقراطية، والتهاون والتنصل من المسؤوليات، ودفن الواجبات والسكوت عن المظالم التي تقترف بحق البشر التي قد ظفرت، ولا يزالون كعهد التاريخ يعيشون في سجن استعماري سواء علي المستوي الشخصي أو العملي أو الوطني أو الدولي.

وأختتم القول، إذا كانت تلك الإنتهاكات الإنسانية التي تصاحب المستجدات في عالم الصراعات ليست بالجديدة، إلا أن التطور الذي يشهده عالمنا الحاضر في العقود الأخيرة يدفعنا لعرض مجموعة من الأسئلة المطروحة بمرارة:
 
ما معنى الغياب شبه التام للسؤال الأخلاقي لدى الأطراف المنخرطة في تلك الحروب؟
لماذا تختفي أخلاقيات الحروب خلف ستار مسرح العمليات القتالية علي كل الأصعدة؟
أين ذهبت آراء وأفكار رواد المدرسة "الأخلاقية" ممن أجمعوا على أهمية الالتزام بالأخلاق الفاضلة أثناء الحروب، مؤكدين أن الخلق الفاضل يشكل صالح الإنسان، وضروري ازدهارنا كبشر نعيش في عالم واحد؟
فهل حقا ما يحدث للبشر الأن بؤس حظ أما سواد طالع؟
أترك لكم حرية الإجابة والتعليق قرائي الأعزاء

للحديث بقية