الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أكرم لاوندي يكتب: ولكن تُراها أين تقع مدينة تيتانيك ؟

صدى البلد

- تيتانيك.. !! ذلك الفيلم الرومانسي الرائع الذى طال سقف الإبداع وأغرق الكرة الارضية بمن عليها بشلال دافق من مشاعر الحب الفياض والرومانسية الحالمة وألهب قلوب الملايين والمليارات لعدة اجيال.
- نعم هذا ما اعنيه حمى تيتانيك التى اصابت سكان الكوكب منذ ما يزيد على عشرين عامًا
- ولكن اين تقع مدينة بهذا الاسم ؟
- ربما تظننى أحدثك عن باريس المدينة الناعسة بين احضان نهر السين او مدينة لاس فيجاس عاصمة الصخب والجنون فى العالم ..

 
لا .. أنا أحدثك عن كابول عاصمة أفغانستان المسجونة بين جبال تورا بورا والمحاصرة من طالبان و القاعدة وامريكا والمهددة فى كل لحظة بالموت جوعًا او قصفًا او قهرًا من وسط هذا الأتون ظهرت مدينة تيتانيك كابول سابقًا القصة بدأت عقب هزيمة الاتحاد السوفيتي على يد المجاهدين الافغان بدعم من عدة دول فى مقدمتهم امريكا والسعودية و الصين، تلى ذلك تأسيس اول حكومة للمجاهدين برئاسة صبغت الله مجددى وهنا بدأ الفاصل الاكثر دموية فى تاريخ هذه الدولة ، اختلفت فصائل المجاهدين و تنازعوا فيما بينهم حول تقسيم السلطة وهنا انفجر الصراع العرقى المذهبى ذلك الارث القديم الذى طفح الى السطح مع اول استحقاق.


انسحبت قوات قلب الدين حكمتيار الى الجبال المطلة على العاصمة كابول بينما تراجعت قوات احمد شاة مسعود قائد المقاومة الافغانية المدعوم من السعودية خارج حدود العاصمة باتجاه الجنوب وما يفصلهم ويقع بينهم العاصمة ذاتها ودارت رحى الحرب الأهلية ، لمدة عامين متتاليين ظلت قوات حكمتيار تقصف كابول بوابل من صواريخ استينجر الامريكية الصنع ليرد عليه احمد شاة مسعود بوابل من قذائف الهاون الانجليزية حتى تم سحق العاصمة تمامًا ليس ذلك فقط .. بدأت حرب اخرى بين جماعتين عرقيتين البشتون والهزارة ، فى مئات من الحوادث المتكررة تهجَّم قوات من البشتون على عائلات بأكملها من الهزارة لتقتلهم جميعًا ، ويرد عليهم الهزارة بأن يختطفوا مجموعة من فتيات البشتون ليقطعوا أوصالهم ويوثقوهم فى الأشجار بعدما يعتدوا عليهم، وفى الجانب الاخر من البلاد القائد العسكري عبد الرشيد دوستوم الموالى لدولة تركيا يدخل فى حرب مع على مرزاى مؤسس حزب وحدة الشيعى المدعوم من ايران، كانت الجثث المتحللة وبقايا الأشلاء تملأ أسطح البنايات ومعلقة فوق الأشجار ومن يفكر فى البقاء فى كابول يتهدده الجوع و خطر القصف ومن يفكر فى الهروب يترصده المجرمين واللصوص الذين لا يتورعون فى القتل والاغتصاب ومن يفلت من كل ذلك ويهرب الى مخيمات اللاجئين تنتظره الدزونتاريا والصقيع اللذين اهلكا مئات الآلاف.


- انت اذًا تتحدث عن مدينة الخوف والأشباح وليس تيتانيك
 - دعنى اشرح لك ، أفغانستان كانت جنة الله على الارض، حديقة غناء شاسعة مترامية الأطراف يجرى فيها خمسة انهار تحدها الجبال وتتوسط خمس دول آسيوية ويعيش على ارضها قرابة العشرين مليون انسان وسط تنوع بيئى هائل وعشرات من روافد الأنهار وجداول المياه ، لم تكن العاصمة كابول اقل من مثيلتها فى دول اوروبا ، الشوارع النظيفة والميادين الأنيقة المسارح والسينمات والمطاعم الفاخرة ، جامعة كابول العريقة والمعاهد البحثية المدارس الحكومية والخاصة وفوق كل ذلك ، تراث عظيم وحضارة عريقة يكللهم معلم اثرى استثنائى فريد معجزة فى الهندسة والبناء لا مثيل لها هُما تِمثالان أثريان ضخمان لبوذا منحوتان على منحدرات وادي باميان في منطقة هزارستان في وسط أفغانستان حتى عام 1978 - وماذا حدث ؟ اين ذهب كل هذا ؟والاهم ما دخل تيتانيك بكل هذا ؟ - بعد أن استولت طالبان على مقاليد الحكم وسيطرت على العاصمة كابول التى لم يتبق بها اقل من نصف تعداد السكان وسط دمار هائل و انهيار فى البنية التحتية و غياب مستمر فى الكهرباء .


بالطبع أصدرت دولة طالبان مجموعة من الفرمانات واجبة النفاذ وإلا تكون العقوبة هى الجلد فى الطريق العام وعلى رأسها منع حيازة اجهزة التلفزيون ومن يثبت ان لديه جهاز تلفزيون يصادر الجهاز فورًا ويعاقب جميع سكان المنزل بالكامل بالجلد فى الطريق العام طبعًا اضطر الناس الى تخبئه الأجهزة و فى وقت متأخر من الليل مع إرخاء الستائر وخفض الصوت الى اقل درجة يبدأ تشغيل التلفزيون ليلتقط أحيانًا إشارة ضعيفة تأتى من دولة مجاورة ، وأحيانًا يتم تهريب شرائط الفيديو المسجلة ، لا تتعجب كلما زادت الديكتاتورية والطغيان زادت الرشوة وزاد الفساد، وسط القتل والقحط والطغيان والقهر ظهر الحلم وانتشر هوس تيتانيك وأصبح حديث كابول الذى لا ينقطع الى ان ظهر مصطلح جديد وهو مدينة تيتانيك بدلًا من كابول ، وتحولت الأسماء من همشير إلى جاك ومن همشيرة بمعنى سيدة بالأفغانية الى روز بطلة الفيلم ، وظهر الافغان يفتحون ذراعهم كما فى المشهد الرائع من الفيلم عندما عانق جاك وروز ابطال الفيلم بعضهم على طرف السفينة العملاقة تيتانيك ، من يستطيع ان يقتل حلم الشعوب فى الحب والحياة ، اما عن أفغانستان كيف كانت وكيف أصبحت والفارق يتسع ويتمدد ويتعاظم والهوة تتباعد وتنفطر والعقل يكاد يذوب ويتهالك.