قرأت في الأسبوع الماضي مقالا للكاتبة فوزية العشماوي تروج فيه لشبهة عدم
فرضية الحجاب على المسلمات المؤمنات، بزعم أن السيدة سكينة بنت الحسين كانت تكشف شعرها
وهي تجالس الشعراء وتمازحهم لدرجة أن تسريحة شعرها أصبحت موضة في عصرها واشتهرت بالطرة
السكينية . يعني القٌصَّة السكينية .
والكاتبة قد استهلت مقالها بذكر فضيلة الإمام الأكبر واقتطعت كلاما لفضيلته
عن القرآن والسنة من سياقه ووجهته غير وجهته، ففضيلة الإمام كان يتحدث عن موضع السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي
ودورها في بيان ما أجمله القرآن الكريم ولم يكن يتحدث عن كتب التاريخ ولا التراث.
أما عن مصدرها الأساسي الذي اعتمدت عليه
في زعمها على السيدة سكينة وآل البيت وتستدل به على روايتها هو حكايات ذُكِرَت زورًا وبهتانًا في مقتطفات من كتاب ليس كتاب
علم أو دين وإنما كتاب مصنف في الفن والأغاني وأخبار الرقص وقصص الخلاعة والمجون ومؤلفه
ليس ممن يوثق بهم علميا أو دينيا فليس من علماء الشريعة أو العقيدة أو من أهل
التخصص، بل إن كاتبه عُرِف لدى اصحاب التراجم والتاريخ بأنه صاحب أهواء مجروح
في شهادته ومشكوك في أمانته وصدقه حيث تحركه الأهواء والمصالح والانتماءات النفعية.
والكاتبة على علم بكل هذا حيث إن كتب الأدب والفن هو مجال تخصصها.
فهي حسب سيرتها الذاتية،أديبة مصرية ولدت ونشأت بالإسكندرية، تعيش فيجنيفبسويسرا،وهي خريجة كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية جامعة الاسكندرية، أما سبب الشهرة حسب ويكيبيديا فهو عملها كأستاذة للأدب العربي والحضارة الإسلامية في جامعة جنيف بسويسرا وكونها خبيرة لدى اليونسكوولدى اللجنة الأوروبية المشتركة ببروكسل.
كما أن دراستها العليا تؤكد علمها التام بطبيعة الكتاب الذي تنقل عنه ويعتبر
مصدرها الاساسي ومن نقل كان عنه.
نأتي للقضية الرئيسة في مقالها والتي تتمثل في رؤيتها الخاصة أن هناك من يفرض
حسب قولها نصًا
وهنا تبنت الكاتبة عدة مغالطات في مقالها وهي:
ثانيًا: ادعت أنه لا يوجد سند ولا آيات قرآنية قطعية الدلالة على فرضية الحجاب
والذي يعني غطاء الرأس ، وهذا خطأ بيّن إذ أن
الله عز وجل أنزل سورة في القرآن الكريم سماها سورة النور وقد جعلها الله نورًا لمن
توجه لطريق الحق وبدأها بما يدل على فرضية ما ورد فيها من احكام فقال تعالى
:" سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ
لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".
أما ما فيها من آيات بينات لملابس المرأة الساترة لرأسها وشعرها من غطاء يسمى
الخمار فهي ما ورد في الآية ٣١ " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ
أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ
بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ
غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا
عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ» [النور: 31].
فالخمار في الآية (.. وليضربن بخمرهن على جيوبهن ..) مذكور بين نهيين عن اظهار
الزينة (..ولا يبدين زينتهن إلا...) ثم يأتي
النهي الأخير عن اي محاولة للاشارة والإعلام
بالزينة الخفية تحت الملابس الساترة إلى القدمين عندما يقول" وَلَا يَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ" ثم تأتي نهاية الآية
لتؤكد أن عدم الالتزام بهذه الأوامر واجتناب هذه النواهي لهو خطيئة تستلزم التوبة
فيقول "وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» . الكاتبة لم تلتفت إلى أن هذه الآيات
البينات من الله تعالى في كتابه الكريم قطعية الدلالة، في الامر بالستر وتغطية الرأس والنهي عن اظهار الزينة
، ولكن رأت أن الكلام المذكور في كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهاني، هو الكلام الواضح
الجلي قطعي الدلالة في عدم فرضية الحجاب فاستدلت
به مع علمها بأنه كتاب فى مجال الأدب والشعر
وأخبار المغنيين والمطربين، فهو كما وصفه الأستاذ وليد الأعظمي "كتاب أدب وسمر
وغناء، وليس كتاب علم وتاريخ وفقه"، فلا تصلح رواياته للاستدلال بها فى مسائل
الفقه والدين.
أما الأصفهاني مؤلف هذا الكتاب الذي اعتمدت عليه العشماوي فهو ساقط الرواية عند أهل العلم، متهم بالكذب، يقول عنه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد الجزء ١١ صفحة ٣٩٨: كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس كان يدخل سوق الوراقين، وهي عامرة، والدكاكين مملوءة بالكتب، فيشتري شيئا كثيرا من الصحف، ويحملها إِلَى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها وقال عنه العلامة ابن الجوزي: ... ومثله لا يوثق بروايته، يصّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوّن شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمَّل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر"، وذكر الصابي أنّه "كان وسِخًا قذرًا لم يُغسل له ثوب أبدًا منذ فصّله إلى أنْ يتقطّع".
ولمن أراد المزيد فليرجع الى كتاب( السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الأغاني) في بيان مساوئ كتاب الاغاني وكاتبه حيث فيه الرد على كل ما جاء فيه من مفتريات وأكاذيب وحكايات أوردهاالأصفهانيعنآل البيتالنبوي وهي أخبار تسيء إليهم، وتجرح سيرتهم، وتشوه سلوكهم، وتوهن أمرهم، بما يوافق هوى الأصفهاني.
كما ان مما ورد به أيضا طعنالأصفهانيبعقائدالمسلمينولعن دينالإسلام، مع الكفر البواح، والاستخفافبالصلاةوالحجويوم القيامة، مع دفاع عنالبرامكةوطعون مختلفة بأعلام المسلمين، و قد ناقش المؤلف الناقد لكتاب الأغاني كل هذه الأخبار وفندها الواحد تلو الآخر. ورغم كل ما سبق من مساوئ إلا أن الناقد علق في نهاية الكتاب بقوله:
وقد غضضت النظر وصرفت القلم عن أخبار فظيعة وحكايات شنيعة لا يكتبها أشد الناس
عداوة وبغضًاللعربوالمسلمين، فقد أتهم كثيرًا من أعلامهم باللواطة ورمى
بعضهم بالأبنة، وكريمات نسائهم بالسحاق، وألصق بهم السخائم من ذميم الخصال، وقبيح الفعال،
متسترًا بظلال الأدب والسمر، والمذاكرة والمؤانسة كأن ذلك لا يحصل إلا بشتم سلف هذه
الأمة المجيدة، في تأريخها وخلقها.
هذا هو مرجع ومصدر الكاتبة الاساسي في قصة ملفقة عن سيدات بيت النبوة تناقلتها بعض الكتب عنه دون تمحيص كما فعلت هي تماما. أما عن بقية مصادرها التي أشارت إليها فحدث ولا حرج فكل من لسان العرب والصحاح معاجم لغوية ليس فيها اي ذكر لتلك القصص الملفقة وانما تذكر معنى كلمة الطرة وفقط.
وفيات الأعيان لابن خلكان إنما يذكر ان هذه الروايات الواردة عن اجتماع الشعراء
عند السيدة سكينة انما هو نوع من الخلط بينها وبين سكينة بنت خالد بن مصعب بنت الزبير
وان وضع الأكاذيب على آل بيت النبي هو من وضع ــ
الزبير بن بكار ــ الذي كان يضع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتى أرادوا قتله
ففر من مكة إلى بغداد أيام المتوكل. أما ما يلي ذلك من مصادر فهي حديثة اخذت عن غيرها
دون تثبت ومثل هذا ما فعله د. زكي مبارك الذي ردد اقوال الاصفهاني وقد فندت تلك الاراء
وردت عليها الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها
تراجم بيت النبوة ـ الدكتورة بنت الشاطئ ـ وكان مما جاء فيه ردا على الدكتور
زكي مبارك ومن اتخذ نفس الطريق للنقل دون مراعاة لمقام آل البيت ولا لشهادة الحق والتثبت
من الاخبار قبل نقلها فقالت:
هذا سقطت كتابته وأقواله عن الموضوعية ـ وكان من جراء أقواله السخيفة ، نرى أن
كل من قرأ كتابته وتخيلاته بخصوص السيدة سكينة قد انتقده، لأن الكاتب قبل أن يكتب
يجب عليه أن يعي ما يقول ، ويعرضه على عقله ، ويتثبت من صحة الرواية وثقة الراوي.
وتقول الدكتورة بنت الشاطئ ، أيضًا :
« لكن المأساة أن اكثرنا قد صدقوا كل ما قال عمر ، وصدقوا أولئك القصاصين الذين راحوا ينسجون الحكايات حول هذه القصيدة او تلك من غزلياته. وهي قصص لا شك في أنها اخترعت بأجرة ، كما قال الدكتور طه حسين بحق».
وفي ختام مقالنا في الرد على الدكتورة
فوزية العشماوي نقول:
كل من يتحدث عن آل بيت النبي يجب أن يضع نصب عينيه قول الله تعالى "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" سورة الأحزاب: آية 33 فهم
الأطهار الأتقياء الانقياء الأصفياء ومودتهم هي الأجر الذي سألنا إياه رسولنا الكريم
وعلى ذلك يكون الأجر العظيم.
"ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن
يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ"
(23).