وقعت حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، بمقر وزارة الخارجية في القاهرة يوم ٥ ديسمبر 2020، اتفاقية تأسيس الشراكة بين البلديّن (اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية)، وهي الاتفاقية التي دخلت حيز النفاذ اعتبارًا من أول يناير ٢٠٢١ عقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وتضع الإطار العام للعلاقات بين الدولتيّن في مختلف المجالات وتعكس الاهتمام بتعزيز جميع أوجه التعاون بينهما والارتقاء بها لآفاق أوسع بما يعظم من مصالحهما المُتبادلة.
وتشكل الاتفاقية الجديدة إطارًا هامًا لضمان استمرار المعاملة التجارية التفضيلية لمنتجات البلديّن، حيث تتضمن ذات المزايا التجارية التي توفرها اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية التي أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انتهاء أثرها بالنسبة لبريطانيا.
ومن أجل هذا الغرض، توفر اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية تحريرًا كاملًا للتجارة بين الدولتيّن في المنتجات الصناعية ومعظم السلع الزراعية والمنتجات الغذائية والأسماك ومنتجاتها، مع استثناء بعض السلع الزراعية التي ستكون خاضعة لحصص كمية تحددها الاتفاقية وتعتبر كافية لاستيعاب نسبة كبيرة من صادرات الطرفين.
وقد تعهد الجانبان في إطار الاتفاقية الجديدة بالعمل سويًا لتحقيق قدر أكبر من التحرير للتجارة في السلع الزراعية خلال الفترة القصيرة القادمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المُشترك بين السلطات الجمركية في البلديّن بهدف التخلص من الممارسات التي تعرقل حركة التجارة، وكذلك العمل على زيادة تدفق رؤوس الأموال والخبرات والتكنولوجيا البريطانية إلى مصر.
وفيما يلى أبرز بنود الاتفاقية
أولًا: تطور المفاوضات بين مصر والمملكة المتحدة
اتفق الجانبان على أن تكون اتفاقية التجارة الحرة الجديدة بينهما متطابقة مع اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، مع إدخال ما يلزم إدخاله من تعديلات، وبحيث تستمر العلاقات التجارية بين الجانبين اعتبارًا من أول يناير 2021 بدون تغييرات إلا في أضيق نطاق، ومن ثم تم الاتفاق على "استنساخ replicate" اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية بهدف التوصل إلى "اتفاقية لتأسيس شراكة بين مصر والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية". وتهدف الاتفاقية البريطانية – مثلها في ذلك مثل اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية – إلى إتاحة إطار سياسي ملائم للحوار السياسي بين الجانبين، وتحرير التجارة في السلع والخدمات ورؤوس الأموال، وتعزيز تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع التعاون الإقليمي والاستقرار السياسي والاقتصادي، وزيادة التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وتولت وزارة الخارجية رئاسة اللجنة التنسيقية الوطنية لتولي المفاوضات مع الجانب البريطاني، التي شاركت فيها أيضًا جميع الوزارات والجهات المعنية، وقد استمرت عملية بناء الموقف التفاوضي المصري والتفاوض الفعلي مع الجانب البريطاني ما يقترب من ثلاث سنوات (2018 – 2020)، تم خلالها عقد عدد من الاجتماعات التنسيقية على المستوى الوطني، بالإضافة إلى 4 جولات مفاوضات رسمية مع الجانب البريطاني تم عقد آخرها في 16 يناير 2020، وتم في 5 ديسمبر 2020 التوقيع على الاتفاقية من جانب السفير مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية على الجانب المصري، وسفير المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية في القاهرة على الجانب البريطاني.
تضع اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية هيكلًا تنظيميًا لإدارة العلاقات بين البلدين في إطار الاتفاقية، حيث سيتم تأسيس "مجلس المشاركة" بين الجانبين برئاسة وزيري الخارجية، ويجتمع المجلس سنويًا أو كلما اقتضت الحاجة الدعوة إلى عقده.
ثانيًا: أهم ملامح اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية
تعتبر اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية استمرارًا لاتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، من حيث ما تضعه من أسس عامة للعلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، مع التركيز على ملف تحرير التجارة وفقًا للقواعد التالية:
أ - المنتجات الصناعية: لم تتضمن الاتفاقية أي تغييرات فيما يتعلق بتحرير التجارة في المنتجات الصناعية، والتي تتمتع بالتحرير الكامل، سواء في إطار إتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية أو في إطار الاتفاقية "المستنسخة" مع الجانب البريطانى).
ب - السلع الزراعية: تم تحديد نسبة 13.6% من الحصص الواردة في اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية كأساس لإحتساب الحصص الواردة في اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية، باعتبار أن هذه النسبة تعبر عن حجم السوق البريطانية من إجمالي أسواق الاتحاد الأوروبي قبل خروج بريطانيا منه. مع ذلك، فقد نجح الجانب المصري – بعد تدخل مباشر من وزير الخارجية مع نظيره البريطاني – في زيادة الحصة المخصصة لصادراتنا من الفراولة التي تعتبر أهم صادراتنا الزراعية إلى بريطانيا من 1579 طن (13.6% من الحصة الأوروبية) على النحو الذي طرحه الجانب البريطاني في بداية المفاوضات، إلى 6000 طن (51.8% من الحصة الأوروبية).
ج - قواعد المنشأ: على الرغم من أن اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية تطبق ذات القواعد المرفقة باتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، فقد حرص الجانب المصري خلال المفاوضات على تأكيد أن المعاهدة الأورومتوسطية لقواعد المنشأ Pan Euro-Med Convention on the Rules of Origin قد تحل محل قواعد المنشأ المعمول بها حاليًا في إطار الاتفاقية الأوروبية.
د- وتعد مصر الدولة الأولى التي ألحقت إعلانا مشتركا بالاتفاقية ويتناول جميع هذه الموضوعات التي تتضمن تطلع الجانب المصري للمزيد من التحرير في التجارة في السلع الزراعية، وتحديث اتفاقية التعاون في مجال الاستثمارات، والمزيد من التعاون في مجال الطاقة، وتشغيل خطوط شحن جوي مباشرة بين مصر وبريطانيا.
ويعتبر هذا الإعلان إنجازًا يحسب للدولة المصرية، إذ لم تسبقنا إلى مثله أي من الدول الأخرى التي تفاوضت معها بريطانيا على اتفاقية مشابهة.
تنص الاتفاقية على أن دخولها حيز النفاذ سيكون عند اكتمال إجراءات التصديق على الجانبين وانتهاء الفترة الانتقالية لالتزام بريطانيا بالإتفاقيات التجارة الأوروبية – بما فيها اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية – في 31 ديسمبر 2020 حيث دخلت الاتفاقية حيز النفاذ اعتبارًا من أول يناير 2021.
وتضع اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية – شأنها شأن اتفاقية المشاركة مع الاتحاد الأوروبي – هيكلًا تنظيميًا لإدارة العلاقات بين البلدين في إطار الاتفاقية، حيث سيتم تأسيس "مجلس المشاركة" بين الجانبين برئاسة وزيري الخارجية، ويجتمع المجلس سنويًا أو كلما اقتضت الحاجة الدعوة إلى عقده.
وقد تم الاتفاق بين الجانبين على الدعوة لعقد المجلس في أقرب فرصة ممكنة بعد دخول الاتفاقية حيز النفاذ، للنظر في كيفية إضفاء المزيد من التحرير على حركة التجارة في السلع الزراعية بين البلدين.
كما تؤسس الاتفاقية "لجنة المشاركة" على المستوى دون الوزاري لاتخاذ الترتيبات الفنية الكفيلة بتنفيذ ما يتم اتخاذه من قرارات على مستوى "مجلس المشاركة"، ويمكن تشكيل مجموعات عمل فنية أخرى إذا ما اتفق الطرفان على ذلك.