الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود الجلاد يكتب: الأزهري الذي لم يتقاض مليما من الإعلام

صدى البلد

من النادر أن نجد عالمًا أو عمامة تطل علينا في الفضائيات لا تتقاضى مليمًا، بل هو أمر أساسي عندهم أن يتقاضوا نظير تقديم البرنامج المقدم، دعني أقول وبكل لطف دون القدح في أي شخص أن الأمر أهم من الوظيفة نفسها خاصة وأنها لا تجدي نفعا عند الكثيرين.

وجدت أن الوحيد في حدود علمي الذي لم يتقاضَ مليمًا من وسائل الإعلام هو العالم الكبير الدكتور أسامة الأزهري أحد علماء الأزهر الشريف.

وطبعا هناك كثيرون من العلماء من أصحاب النزاهة والتعفف عن المال، لكني أتكلم عنه هو لأنه النموذج الذي عرفته وشاهدت فيه تفاصيل ذلك على مدى سنوات، فالاحترام والتقدير له ولهم جميعا.

وأتذكر ذات مرة منذ 5 سنوات تقريبًا كنت أرافقه بادرت بالحديث معه لماذا لا تتقاضى من الإعلام فهو عمل وتكاليف تنقلات بسيارتك الخاصة والخ والخ.. فرد بكلمات مقتضبة: "العمامة الأزهرية لا تشترى بمال الدنيا، والمفترض أن العالم الأزهري يعطي للناس ولا يأخذ منهم.. وما كان لله بقي".

ظللت أفتش بعدها عن عدد آخر من العلماء المتواجدين على الساحة مثله، لكن العجب أنني سمعت أرقامًا كبيرة مقابل ذلك بل شرط، فكان الوحيد فيما أعلم الذي لم أجد نموذجًا مثله.. له من علم واطلاع واسع وثقافة ولباقة وحب عند الكثير لكن عنده لله كثير في عقله وقلبه.

شاهدت فيديو للإعلامي خيري رمضان على يوتيوب منذ 6 سنوات يقول فيه نصا: "محدش سألني ليه بتستضيف الدكتور أسامة الأزهري بس، وأكيد في علماء كتير في الأزهر،  لكن الدكتور أسامة من الوجوه التي لم أره يوما عابسا، أو جافًا أو غير بشوش أو غليظ القلب، وزي ما بشوفه في الأستوديو هنا زي بره زي مع كل الناس، متواضع وبسيط وعمره ماخد مليم من القناة ورفض أنه يجي الأستوديو بعربية القناة رغم إنه عادي بنبعت عربياتنا لكل الناس لكن كان رده " دي حاجة لرب العالمين فلن أتقاضى عليها أي أجر" فبعربيته ووقته الثمين يطل علينا، الراجل دا مبينمش سويعات قليلة لأنه مهتم بالقراءة والبحث وعمل الخير، وتجده يقرأ كتب الأطفال والصغار والكبار  ويبحث في الأحاديث ويجوب بلاد العالم ليتأكد من مرجع، وراضي وزي الفل، وهذا هو نموذج العالم اللي بندور عليه وعشان كدا هفضل معاه لحد ما هو يسيبني".

حديث خيري رمضان ذكرني أن الأزهري رحالة أيضًا، سافر لعدد كبير من دول العالم على مدار 19 سنة منها  ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، سويسرا، المغرب، الجزائر، السودان، اليمن، الإمارات، البحرين، الكويت، الأردن، سوريا، الهند، إندونيسيا، روسيا، ماليزيا، اليابان، تتارستان، النيجر، وكينيا، وعدد كبير من دول العالم، كونت هذه الرحلة الواسعة أطروحات فكرية، فلسفية، عميقة، رصينة، مدروسة، محكمة، تستطيع تقديم الأجوبة على كل إشكالات العصر ونوازله.

يقدم الأزهري علمًا يبهر كل من سمعه، وقورًا، دمث الخلق، في لسانه لباقة، وفي وجهه نورٌ، كما أن فلسفته ونظريته وتناوله للأمور مختلفة كثيرًا، لا نجد مثله أو نجد من يقلده، أو بمعنى أدق نحن في حاجة لمن يسير على نهجه ويقلده لتكرار نماذج كثيرة مثل الأزهري في العمل الدعوي.. واسع الاطلاع ينظر في المئات من الكتب عن خبرة وتحقيق فبحاصل اطلاعه أسس مشروعًا علميًا ومنهجًا فيه حلول لكل المشكلات، لم يترك صغيرة، ولا كبيرة إلا تحت عمامته.

مؤرخ راسخ يقرأ في علوم مختلفة، فبجوار العلوم الشرعية له قراءة وثقافة في علوم الطبيعة، والفلك، والكيمياء، والفيزياء، والفلسفة، والقانون.. الخ الخ
مما يبهر سامعيه ويحوز إعجابهم
رقيق في حب الأدب والشعر فيمتعنا بأبيات من شعره على صفحته، وهذبت الثقافة العامة روحه فهو من خير الدعاة للإسلام وللإصلاح دينيًا واجتماعيًا.

مؤلفاته عميقة في تحليلها وتفنيدها فألَف كتاب " الحق المبين في الرد على من تلاعب في الدين" الذي فند فيه أفكار الجماعات المتطرفة، وألف أكبر موسوعة في العصر الحديث وهي موسوعة " جمهرة أعلام الأزهر الشريف" التي لا تكفيها هذه السطور.. هو عالم لا يشبع من الكتب فيقلب في الصفحات ليل نهار، ويزداد علمًا ونورًا وثقافة.. . بل يمتلك ذاكرة نيرة تستوعب الأحداث المختلفة استيعابًا شافيًا، ولازالت آراؤه جاهزة في كل القضايا .. هو ابن زمانه.

يخاطب العقل والقلب فيبهرنا بمنطقه وفلسفته التي هي جديدة على أسماعنا كمصريين،  ويركز على الجمال في الدين ويخاطب سلوكنا وحياتنا،  يمتعنا بأحاديثه وبكلماته، لا يرهبنا ويفزعنا بالجحيم وجهنم، يطل على فضائية دي ام سي فيخترق كل مشاكل الناس سواء كانت سهلة أو صعبة، يجيب على كل ما يدور في عقل المشاهد ويسلط الضوء عليه بإجابات يسيرة شافية لما في الصدور، لكن الأجمل أنه يبحث عن الجمال دائمًا، ويقدم لنا وجبة فيها بُعد جديد لم نعتد عليه نحتاجه ونريد تكراره على الراديو 9090 تحت عنوان" مصابيح الجمال" ،  يذكرنا كيف أن ديننا جميل وبسيط، يركز بفلسفته على الإنسانية، والأدب في المعاملة، والجمال في الطعام، والجمال والصدق في اللسان  الخ.. وفاجئنا دون أن يذكرها صراحة كيف أن ديننا حثنا على فنون الاتيكيت.
تساءَل أحد متابعي صفحته  وقت أن صدرت  موسوعته العلمية الأخيرة «جمهرة أعلام الأزهر الشريف» عن سعرها قائلًا: «الله يفتح لك وينفع بك يا مولانا.. سألت عن الموسوعة في المعرض قالولي في مكتبة الإسكندرية السعر بـ 2000 جنيه وبعد المعرض بـ 2500 جنيه صحيح يا مولانا الكلام ده؟».

وعلق الدكتور أسامة الأزهري، على السائل، قائلًا: «ما تقاضيت مليمًا واحدًا عن أي كتاب طبعته، ولا أي مقال كتبته، ولا أي لقاء تليفزيوني خرجت فيه، بل أشتري كتبي التي من تأليفي لأهديها للناس».

الأمر إذا لم يعد إعلامًا فقط ، لكن كل ما يقدمه مما له علاقة بالنفع العام للناس فهو يقدمه مجانًا مهما كان فيه من تعب أو جهد، فهذا الأمر لو وضعت أموال الدنيا في مقابله لا تساوي شيئًا ,, وما كان لله بقي.