الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بِلِسَانِ قَوْمِهِ


أرسل الله تعالى الرسل لهداية الناس إلى الإيمان به وحده لا شريك له، وكل رسول تكلم بنفس لغة قومه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..) إبراهيم 4، ولم يستخدم القرآن مصطلح اللغة ولكن استخدم مصطلح اللسان، ولتوضيح الفرق بين اللغة واللسان نجد أن اللغة مشتقة من الأصل لغا، ويأتي اللغو في القرآن بمعنى الكذب: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) النبأ 35، لن يكون في الجنة لغو، ويأتي اللغو بمعنى الكلام الهزل: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ..) البقرة 225.


واللسان هو عضو النطق في جسد الإنسان، تشترك معه الشفتان في نطق حروف الباء والفاء والميم: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) البلد 8-9، أما النطق فالله تعالى هو الذى أنطق كل شيء في الدنيا والآخرة: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ..) فصلت 21، وقد أعطى تعالى للنبيين داود وسليمان عليهما السلام معرفة نطق الطير: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ..) النمل 16، وليس الصوت وحده وسيلة النطق والاتصال، فالإنسان يتفاهم ويتواصل بالإشارات، وتوجد حيوانات تتفاهم بالرائحة وبقرون الاستشعار وبالحركة.


وأشار تعالى إلى اختلاف ألسنتنا وليس لغاتنا: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم 22، هنا ربط بين آية خلق السماوات والأرض وآية اختلاف ألسنتنا وألواننا.


لقد خلق الله اللسان ناطقًا معبرًا عن فكر العقل، وأعطى الطفل في سنواته الأولى قدرة يتمكن بها لسانه من تعلم لهجة أهله، ويظل اللسان متعودًا على طريقة نطق لهجته الأصلية، فإذا نطق بلسانه لهجة جديدة فإنه ينطقها بنفس نطق لهجته الأصلية، وعلى مستوى الشعوب تختلف الألسنة في نطق نفس اللغة، فاللهجة العربية المصرية تختلف عن المغربية والسودانية والعراقية، بل في الدولة الواحدة تختلف اللهجات، مثلًا في مصر تختلف اللهجة القاهرية عن الصعيدية عن الريفية عن الساحلية وغيرها.


وفي القرآن يأتي اللسان بمعنى القول لأن اللسان هو الذى ينطق بالأقوال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) القيامة 16، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل 103.


وعن المنافقين في موقعة الأحزاب: (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ) الأحزاب 19، وعن منافقي الأعراب: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ..) الفتح 11.


وفي التحذير من الكذب على الله في الحلال والحرام: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) النحل 116، وعن موضوع الإفك يقول تعالى  تأنيبًا للمؤمنين: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) الروم 15.


لقد شاع مصطلح اللغة في العصر العباسي  تأثرا بالتراث الاغريقي الذى تمت ترجمته في العصر العباسي الأول، وشهد هذا العصر تأسيس علم النحو، وتم جمع مفردات الألفاظ العربية ووضع أول معجم لها على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم النحو وعلم العروض، وتبعه تلميذه سيبويه، وتابعهما ثعلب والكسائي والزجاج والمبرد وغيرهم، واجتهدوا في وضع قواعد ما أسموه اللغة العربية، إلا أنهم تجاهلوا اللسان القرآني الذى جاء معبرا عن اللسان العربي، وليس عن اللغة العربية التي نطق بها العصر العباسي متأثرا بثقافات الهند واليونان وما بينهما، وما فيها من لحن وتغيير في النطق لم يكن معروفا في الجزيرة العربية من قبل.


تجاهلوا أن اللسان البشرى لأى قوم يستحيل إخضاعه لقواعد عامة، بسبب اختلاف ألسنة البشر في الزمان والمكان، لذا فإن القواعد القياسية التي اخترعها علماء النحو واختلفوا فيها بين مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة لا يوجد التزام بها في اللسان القرآني.


تجاهلوا الاستشهاد بالقرآن الكريم، خصوصا في موضوع الأزمنة، وكانوا يخترعون شواهد من الشعر ينسبونها لشعراء الجاهلية لتتماشى مع قواعدهم النحوية، وما لا يتفق مع قواعدهم يقولون عليه شاذ لا يقاس عليه، وشاع في العصر العباسي الكذب بانتحال الشعر الجاهلي، وأشهر المنتحلين كان حماد الراوية.


ومن الطبيعي أن أي رسول لو أرسل بلغة غير لغة قومه فلن يفهمه الناس في عصره، ولن يؤمن أحد به، ولن يكون هناك دين، لأن الرسالة تبدأ بالدعوة للإيمان والتي يجب أن تكون بلغة المخاطب المدعو للإيمان.


والرسول محمد عليه الصلاة والسلام أرسل في مكة وخاطب من حولها، وخاطب أهل الكتاب في يثرب وما حولها، وكل هذه المناطق كانت تتحدث العربية التي نزل بها القرآن.


والدين ليس هو الدعوة للإيمان فقط، ولكن توجد التشريعات والتي لا تفرض إلا بعد نشأة وتواجد مجتمع مسلم، فالدعوة يجب أن تكون بلسان المرسل إليهم، لكن التشريعات تكون لكل من سمع بها، وتشريعات الإسلام يمكن أن يتم التعرف عليها بأي لغة، مثل تعليم الصلاة بحفظ سورة الفاتحة وبقية أقوال الصلاة، والصوم ومعرفة الكبائر المؤدية للنار والأعمال الصالحة المؤدية للجنة.


كل رسول نطقت رسالته بلسان قومه وليس بلغة قومه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) إبراهيم 4، ونطقت الرسالة الخاتمة باللسان العربي وليس باللغة العربية: (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا) الأحقاف 12، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا) مريم 97 .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط