الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: مقياس النعمة في بركتها

صدى البلد

خلق الله سبحانه وتعالى جميع الكائنات في هذه الحياة وخلق مع كل مخلوق رزقه الذي يكفيه، وفاوت بين العباد في مقدار الرزق بين البسط والتَّضييق؛ لحكمة يعلمها وليس لذكاء أو عدمه، وجعل العبرة في الرزق بالبركة وحسن التَّصريف، لا في كثرته أو قلَّته، فلا خير في مال كثر عدده وقلَّت بركته، والخير كل الخير في مال حلَّت فيه البركة ولو قلَّ، فمن الناس من يعرف حق الله في ماله ولو كان قليلًا، فيعين الملهوف، ويساعد المحتاجين، حتى بارك الله له في ماله، وجعله في زيادة لا نقصان، رَبِحَ وكسب كلما باع أو اشترى.

والبعض منهم رغم كثرة ماله وولده مازال يشكو من انعدام البركة، ويظن أنه قد أحيط بها بغير ذنبٍ، ويتناسى أن لكثرة الغش والتدليس والتطفيف ونقص الكيل وشهادة الزور دور كبير في زوالها، ولو تفكر قليلًا فيما يفعله لعلم السبب، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: 
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 
[الروم:41].

ومنهم من لديه مال وهو به شحيح، فيعذبه الله به، ويشغله في النهار بحسابه وعده، حتى يجعل وقته في ضيق عليه، ويشعر دائمًا بالنقص والحاجة؛ حيث لا بركة في مال ولا في وقت، ويشتري بماله العذاب وعدم الراحة، ولا يجد متعة إنفاقه إلاَّ في معصية ربه.

وآخر لديه من المال الكثير، ومن الأبناء عصبة، لكنهم خصومًا له، ينتظرون ساعة أجله، نسأل الله العفو والعافية.

وآخر خسر إذا باع أو اشترى، وذهب ماله بلا فائدة، ونُزعت من بيعه وشرائه البركة، وآخر لديه من العلم الكثير ولم يُفد به غيره، فانتزعت منه البركة حتى أنه لم ينفع به نفسه، ثم يتساءل: 
من أين تأتي البركة، وكيف نستجلبها؟
ولم ينتبه لقول الله عز وجل:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأعراف96 ] .

ولعل ما جاء في الأثر أيضًا يوضح أسباب البركة وعدمها، عندما جاء رجل إلى إبراهيم ابن أدهم رحمه الله؛ يحاوره عن البركة فقال: 
ليس هناك من شيء يسمى البركة 
فرد عليه إبراهيم ابن أدهم: أرأيت الكلاب والأغنام؟
قال الرجل: نعم
قال ابن أدهم: أيهما تنجب أكثر؟
قال الرجل: الكلاب تنجب إلىٰ السبعة، وأما الأغنام فتنجب إلىٰ ثلاثة
قال ابن أدهم :
لو نظرت حولك أيهما أكثر؟
قال الرجل: أرى الأغنام أكثر
قال ابن أدهم: أوليست هي التي تذبح وتنتقص ويقل عددها؟
قال الرجل: نعم
قال ابن أدهم: هٰذه هي البركة
قال الرجل: ولماذا يكون ذلك؟!
(لماذا استحقت الأغنام البركة دون الكلاب)
قال ابن أدهم:
لأن الأغنام ترقد أول الليل وتقوم قبل الفجر؛ فتدرك وقت الرحمة فتنزل عليها البركة، أما الكلاب فتنبح طوال الليل، فإذا دَنا وقت الفجر هجست ونامت، فلا تدرك وقت الرحمة فتنزع منها البركة.

العبرة من القصة: 
أن ذنوب العباد وتعديهم على حدود الله هو ما أصابهم بصنوف المصائب والكوارث، فما هلكت أمة إلا بسيئاتها، وكم من قوم بارزوا الله بالمعاصي حتى أهلكهم واستخلف من بعدهم قومًا آخرين، وأن مقياس النعمة ليس في كثرتها أو قلتها، وإنما يكون في بركتها؛ فهي إذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع.

فلنتفكر ولنراجع أنفسنا في معاملاتنا فهي التي أذهبت البركة، لا يمكن لأحد أن ينكر عليك حقك في الاستمتاع واللهو في الدنيا كما تحب ولكن يجب أن تراعِ مراقبة رب العالمين في كل خطوة تخطوها، يجب أن نراقب الله في واجباتنا الأسرية مع أطفالنا وأزواجنا، وأن نتقِ الله تعالى في معاملاتنا وأرزاقنا فلا نسرف فيها بما لا يرضي الله، ونتقيه في كل أمور حياتنا.