لم تسلم كتب عبد الرحمن الرافعى التاريخية من النقد والاتهام بعدم الالتزام بالمنهج التاريخي الصارم، وانحيازه للحزب الوطني الذي ينتمي له، وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية، وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل، وإسباغه عليه كل مظاهر النبوغ والعبقرية والبراءة من كل سوء، وكذلك فعل مع محمد فريد، وإدانته الشديدة لأحمد عرابي ورفاقه، واتهامه للثورة العرابية بأنها سبب كل بلاء، وأنها كانت وراء الاحتلال البريطاني، وهجومه على حزب الوفد وإنكاره عليه إجراء مفاوضات مع بريطانيا؛ لأن أحد مبادئ الحزب الوطني الراسخة كانت لا مفاوضة إلا بعد الجلاء.
وعني
المؤرخ عبد الرحمن الرافعي الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، بدراسة أدوار الحركة القومية
في تاريخ مصر الحديث، ومن أشهر أعماله هو 15 مجلد يؤرخ فيها منذ أواخر القرن الثامن
عشر وأوائل التاسع عشر حتى خمسينياته، وينتمي إلى أسرة كريمة ترجع بأصولها إلى الخليفة
العادل عمر بن الخطاب، وقد هاجر أجداده الأقربون من الشام إلى مصر في السنوات الأولى
من حكم محمد علي، واشتغل معظم أفراد هذه الأسرة بالعلم والقضاء.
يعتبر
عبد الرحمن الرافعي الثالث بين إخوة أربعة أشقاء، لمع منهم أمين الرافعي أحد نوابغ
الصحفيين في الثلث الأول من القرن العشرين، وتوفي شابًا سنة 1927م بعد حياة مليئة بمواقف
الثبات والصمود والوقوف إلى الحق مهما كان الثمن، وتلقى عبد الرحمن الرافعي تعليمه
في المدارس الحكومية، حيث دخل مدرسة الزقازيق الابتدائية سنة 1895م، فمدرسة القربية
الابتدائية بالقاهرة، ثم مدرسة رأس التين الابتدائية سنة 1898م عندما انتقل والده إلى
الإسكندرية حيث عمل مفتيًا للمدينة، وفي هذه المدينة أمضى الرافعي سني الدراسة حتى
أنهى المرحلة الثانوية سنة 1904م.
وانتقلت الأسرة إلى القاهرة والتحق الرافعي
بمدرسة الحقوق، وكانت الحركة الوطنية تشهد نموا واضحا على يد مصطفى كامل، فتأثر بأفكارها،
فانضم إلى الحزب الوطني بمجرد إنشائه، وفي سنة 1908م أنهى الرافعي دراسة الحقوق.
وانشغل
بعلاقة التاريخ القومي بالوعي القومي من ناحية، وبنشوء وتطور الدولة القومية الحديثة
من ناحية أخرى، وهو أول من دعا في مصر والعالم العربي إلى "حركة تعاونية"
لتطوير الزراعة وتنمية الريف ورفع مستوي الحياة الريفية كشرط للنهوض الاقتصادي والتقدم
الاجتماعي وتدعيم أسس الاستقلال السياسي وأول من دعا إلي ربط الريف بحركة التصنيع وبنظام
التعليم العام في منظومة متكاملة تستهدف تنمية شاملة لا غني عنها وكذلك حماية الاستقلال
الوطني وكان الرافعي قد بدأ نشاطه السياسي عام 1907 حيث انضم إلى الحزب الوطني بزعامة
مصطفى كامل.
واتجه
عقب تخرجه في مدرسة الحقوق إلى العمل بالمحاماة، وتدرب في مكتب محمد علي علوبة بأسيوط
فترة قليلة لم تتجاوز شهرًا واحدًا، لبى بعدها دعوة محمد فريد للعمل محررا بجريدة اللواء
لسان حال الحزب الوطني، حيث بدأت معها حياته الصحفية وصلته الوثيقة بمحمد فريد التي
لم تنقطع حتى رحل الزعيم الكبير عن الدنيا في سنة 1919م.
لم يستمر
عمله بالصحافة طويلًا فعاد إلى المحاماة، وشارك أحد زملائه في فتح مكتب للمحاماة بالزقازيق
سنة 1910م، ثم افتتحا مكتبًا آخر بمدينة المنصورة، وظل مقيمًا بالمنصورة حتى سنة
1932م حين استقر به المقام بالقاهرة، وفي أثناء
إقامته بالمنصورة شغل أوقات فراغه بالتأليف، فأخرج كتابه الأول المسمى "حقوق الشعب"
سنة 1912م وكان هدف الرافعي من تأليفه على حد قوله "التباحث في حقوق الشعب والنظريات
الدستورية ونظام الحكومات الصالحة، وكيف تصل الأمم إلى استرداد حقوقها، وكيف تضمن تمتعها
بها"، ثم أعقبه سنة 1914م بكتابه الثاني "نقابات التعاون الزراعية"
بهدف تنشيط الحركة التعاونية في مصر. ولم يكتف بذلك بل أسس سنة 1919م مع مجموعة من
أصدقائه جمعية لنشر جمعيات التعاون الزراعية في قرى الدقهلية مساعدة للفلاح المطحون.
وعندما شبت ثورة 1919م شارك فيها الرافعي
بجهد كبير تجاوز حدود المنصورة وتعداها إلى القاهرة، ولم يتوقف عند العمل السياسي المناهض
للاحتلال بل تخطى ذلك إلى الجهاد بالسلاح. يذكر مصطفى أمين أن الرافعي كان عضوا مهما
في الجهاز السري للثورة، وإن لم يذكر ذلك الرافعي في مذكراته، وليس فيما يقوله مصطفى
أمين عن الرافعي غرابة في اشتراكه في المجلس الأعلى للاغتيالات؛ لأن الرافعي نادى في
أول مقالة له نشرت باللواء بوجوب تكوين الجمعيات السرية والعلنية لحماية الشعور الوطني
من العبث والتبدد، ودعا إلى استخدام القوة التي تجبر الاحتلال على مغادرة البلاد.
ومن
أبرز مؤلفاته: حقوق الشعب (1912)، نقابات التعاون الزراعية (1914)، الجمعيات
الوطنية (1922)، تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر (1929)..جزءان، عصر
محمد علي (1930)، عصر إسماعيل (1932).. جزءان، الثورة
العرابية والاحتلال الإنجليزي (1937)، مصطفى
كامل باعث الحركة الوطنية (1939)، محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية (1939)، مصر
والسودان في أوائل عهد الاحتلال (1942)، ثورة
سنة 1919 (1946).. جزءان، في أعقاب الثورة المصرية
(1947-1951)... ثلاثة أجزاء،
وغيرهم.
اشترك
الرافعي في أول انتخابات أجريت حسب دستور 1923م، حيث رشح نفسه في انتخابات مجلس النواب
عن دائرة مركز المنصورة، وفاز أمام مرشح حزب الوفد، وشكل مع من قدر لهم الفوز من أعضاء
الحزب الوطني المعارضة في مجلس النواب، وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على هدي
مبادئ الحزب الوطني، غير أن هذا المجلس لم تطل به حياة بعد استقالة سعد زغلول من رئاسة
الحكومة، ثم عاد الرافعي إلى المجلس مرة أخرى بعد الانتخابات التي أجريت في سنة
1925م، ولم يكد المجلس الجديد يجتمع في يوم 23 من مارس 1925م حتى حُلّ في اليوم نفسه،
وظلت الحياة النيابية معطلة بعد هذا الحل نحو 8 أشهر، حتى اجتمع المجلس النيابي من
تلقاء نفسه في 21 من نوفمبر 1925م، واتفقت الأحزاب على توزيع الدوائر الانتخابية فيما
بينها، ولم يخصص للرافعي دائرته السابقة، وأصر حزب الوفد على أن تكون دائرة مركز المنصورة
من الدوائر التي يسمح فيها بالمنافسة بين الوفد والحزب الوطني، ونتيجة لذلك انسحب الرافعي
من الترشح لمجلس النواب.
وظل
الرافعي بعيدا عن الحياة النيابية قرابة 14 عامًا، عاد بعدها نائبًا في مجلس الشيوخ
بالتزكية، وبقي فيه حتى انتهت عضويته به سنة 1951م، خلال هذه الفترة تولى وزارة التموين
في حكومة حسين سري الائتلافية سنة 1949م، وقد أثار توليه الوزارة لغطًا شديدًا حيث
إنه فعل ما كان يدين به غيره، فقد تزعم يومًا الجبهة المعارضة في الحزب الوطني ضد رئيسه
حافظ رمضان عندما قبل الاشتراك في الوزارة سنة 1937م، باعتبار أن ذلك لا يتفق مع مبادئ
الحزب الوطني التي لا تقبل الوزارة في ظل وجود الاحتلال الذي يمسك بمقدرات الحياة في
مصر، غير أن الرافعي برر دخوله الوزارة برغبته في كشف الأساليب الاستغلالية التي كانت
تمارسها شركة السكر وأصحاب شركات الغزل والنسيج، وعلى أية حال فلم يمكث في الوزارة
سوى أشهر قليلة.
بعد
قيام ثورة 1952م أفرط الرافعي في حسن الظن بالنظام الجديد الذي قربه منه وأولاه عنايته
فأشركه في إعداد الدستور الذي فكر في إخراجه سنة 1953م، كما تم تعيينه نقيبا للمحامين
سنة 1954م بعد قرار الحكومة بحل مجلس نقابة المحامين المصرية التي اجتمعت جمعيتها العمومية
في 26 من مارس 1954م، وقررت مطالبة حكومة الثورة بعودة الجيش إلى ثكناته وترك السياسة
للسياسيين، ولقي الرافعي انتقادًا شديدًا لقبوله منصب النقيب والتصاقه بالسلطة.
لم ينس
الرافعي في كل أدواره السياسية التي مر بها أنه صاحب قلم وفكر؛ فملأ أعمدة الصحف بمقالاته
التي توضح موقفه من كثير من القضايا المطروحة، وكانت قضية الاحتلال من أهم القضايا
التي تعرض لها، وكان يدعو علنا إلى استخدام القوة في مقاومة المحتل.