الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ياسر عبيدو يكتب: آيس كريم الفانيليا أصلح السيارة

صدى البلد

في أواخر الستينيات أنتجت شركة جنرال موتورز موديل سيارة اسمها ( بونتياك )، لكن عميلا اشترى السيارة ووجد بها عيبا فبعث بشكوى, كتب فيها" إنه تعود أن يخرج بالليل بالسيارة يشترى آيس كريم ووجد أنه كلما اشتري آيس كريم فانيليا ويركب السيارة ليعود بها لا يطيعه الموتور ولا يدور مطلقا مهما حاول ! فى حين انه إذا اشترى أى نوع آيس كريم آخر(مانجو، فراولة، شيكولاتة) يدور.


المهم هنا أن مدير الشركة الذى يعتنى بزبائنه اهتم بالشكوى وأرسل مهندسا وبدأ يراقب الموقف الغريب ليبحث عن العلاقة وان كانت غير منطقية لأنهم فى امريكا يحترمون العميل, ويخرج المهندس مع العميل فى رحلة لشراء آيس كريم، ليشترى آيس كريم فانيليا، العربة لم تتحرك إلا بعد محاولات متكررة بينها مدة ولا يدور الموتور وعاد ليشترى بنكهة الشيكولا وللعجب السيارة دارت ؟!.


وبالملاحظة والكشف وجد مندوب الشركة المصنعة أن الموتور يبرد بسرعة وكان هذا عيبا فنيا بهذا الموديل واكتشفوا أن الموتور عندما يتوقف ويترك أقل من 5 دقايق وهو ساخن لا يدور وعندما يترك أكثر من 15 دقيقة يدور وأصلحوا العيب وبعد معرفة السبب بطل العجب وأبطل الارتباط الشرطى بين شراء الآيس كريم بالفانيليا وتعطل الموتور؟.


شكوى غريبة فـى مضمونها لكن قرأها مدير فاهم فى دولة اهتمت بكل تفصيلة وبشكوى كل عميل واهتم بها بعد هذه القصة المدير الذكى الدءوب ثم علق ورقة فى مدخل الشركة كتب فيها نصيحة مهمة" التفاصيل دائما صغيرة لكن يكمن فيها كل شىء .. اهتموا بالتفاصيل ولا تحقروا صاحبها".


ذكرنى هذا بنظرية الارتباط الشرطى للعالم السلوكى بافلوف والشيء بالشيء يذكر.. ففى المدرسة السلوكية نظرية الاشتراط المتزامن،لاحظ بافلوف انه كلما قدم الطعام للكلب مصحوبا بدق الجرس يسيل لعاب الكلب من تكرار الاطعام مرتبطا بدق الجرس أي: يقدم الجرس مع الطعام وفي هذا الموقف يحدث تداخل بين كلا المثيرين؛ لأنه لا يتاح للكلب الوقت؛ للتعرف على المثير الشرطي في وجود المثير الطبيعي؛ أي: لأن الاستجابة التي أتت في إسالة اللعاب، جاءت من الطعام، وليس من الجرس.


ومن هنا تبين لبافلوف أن الدافعية شرط أساسي لعملية الإشراط الكلاسيكي، حيث تعتمد الاستجابة الشرطية في مدى استجابتها على درجة جوع الكلب، كما تبين له من نتائج التجارب، التي أجراها أن الكلب الجائع يكون مستعدًّا تمام الاستعداد لعملية الإشراط؛ لأن لديه دافع الجوع، بينما في حالة شبعه يندر أن نحصل على الاستجابة.


وقد لاحظ بافلوف أنه بعد تكوين الاستجابة الشرطية لدى الكلب، أن قام بتقديم المثير الشرطي باستمرار عدة مرات متتالية بدون تعزيز الطعام، فوجد أن الاستجابة بدأت تتلاشى بالتدريج؛ حتى اختفت نهائيًّا.


كررها مرة أخرى؛ جرس بدون طعام بدأت تقل كمية إفرازات اللعاب؛ لأن الكلب أحس أن الجرس ليس وراءه تدعيم بالمثير الطبيعي، وكررها ثالثة ورابعة ، فبدأت تنطفئ أو تزول أو تمحى من سلوك الكلب، كلما سمع الجرس لا يسال اللعاب في النهاية بعد تكرارها عدة مرات، وهذا ما يسمى بقانون انطفاء الاستجابة المتعلمة؛ لأنه لابد أن يكون هناك تدعيم لهذه الاستجابة؛ حتى يرسخ في سلوك الكائن الحي.


ونلخِّص في تجارب بافلوف أن المثير غير الشرطي، أو الطبيعي هو الطعام، الاستجابة غير الشرطية هي إسالة اللعاب، المثير الشرطي هو الجرس، والاستجابة الشرطية هي إسالة اللعاب كذلك.


يبقى أمامنا التطبيقات التربوية لهذه النظرية,يعنى كيف نستفيد من مبدأ الاقتران الشرطي في العملية التربوية؟


إن هذا المبدأ يكشف عن أن المعلم، أو الرئيس، أو المدير، الذي يعاقب أو يثير الألم عند تلاميذه أو مرءوسيه، أو العاملين تحت إمرته، يصبح عندهم مثيرا للخوف، خوف من المعلم يقترن بهم من درس ومن دروس وحصص وأعمال مقترنة بكراهية هذا المعلم أو هذا المدير؛ فلذلك يجب العمل على إقران العمليات التعليمية جميعها بحالة ارتياح بدون خوف.


أي: أن تصحب العمليات التعليمية حالات من السرور؛ حتى تتم عمليات التعلم والنمو للفرد، وعمومًا يلعب الارتباط الشرطي، الذي اقترحه بافلوف دورًا هامًّا في عملية التطبيع الاجتماعي، فالطفل يتعلم الإيماءات من والده نتيجة ارتباطها شرطيًّا بمثيرات أخرى، أيضًا عند عقاب الأب ابنه توجد مظاهر تسبق العقاب الفعلي، وبذلك تكتسب هذه المظاهر القدرة على إحداث الاستجابة، التي يثيرها العقاب، وبالتالي يتوقف الطفل عن أداء النشاط، الذي لا يرضى الأب بدون العقاب ذاته.


كما يمكن الاستفادة بهذه النظرية، والاقتران الشرطي في تعلم كثير من أنواع السلوك، وخاصة السلوك اللغوي، وتعلم اللغات، والنطق الصحيح للكلمات، وتعلم أسماء بعض الأفراد بارتباطهم ببعض الأماكن، أو الربط بين الصور والكلمات، كما كانت في الطريقة الكلية، التي سُميت زمان في مدارستنا بطريقة شرشر، حيث ترتبط الصور والأشكال برسم الحروف، التي تمثل كلمات، وذلك حتى تكتسب الكلمة، كمثير شرطي خصائص الصورة، التي ارتبطت بها كمثير غير شرطي,كما يفيد التعلم الشرطي الكلاسيكي في ميدان التعلم الانفعالي، الذي يتمثل في تكوين الاتجاهات والعواطف والقيم، وذلك بارتباط الحالات الانفعالية من خوف، وحب، وكراهية، وقلق، وميل نحو، أو ميل عن مع بعض المثيرات الأخرى.


وتتضح أهمية التعلم الانفعالي إذا عرفنا أن كثيرًا من حالات التسرب والهروب من المدرسة والتسرب من التعليم، تتسم باتجاهات سالبة نحو المدرسة، كما يفيد التعلم الشرطي في العلاج النفسي، حيث يقوم المريض النفسي بتفريغ شحنته الانفعالية، وما كان سببًا في مرضه في وجود معالج لا يعاقب أي: يقوم المريض بتذكر، وذكر أسباب مرضه، والتي كان لا يجرؤ على ذكرها من قبل، حيث كان يعاقب عليها.


وأخيرًا فقد استخدم مفهوم الارتباط الشرطي في علاج بعض حالات التبول اللإرادي، حيث يتصل ملف كهربائي موضوع في مكان نوم الطفل، حالات التبول اللإرادي بتوصل ملف كهربائي موضوع في مكان نوم الطفل، وهذا الملف متصل بجرس، ولا تتصل الدائرة، ويبدأ الجرس في الرنين،عندما يتبول الطفل، حيث يؤدي هذا إلى استيقاظ الطفل؛ ليستكمل عملية التبول في دورة المياه.


وبعد تكرار العمل عددا من المرات، يصبح اقتران صوت الجرس كمثير غير شرطي، بامتلاء المثانة كمثير شرطي، وهنا يتعلم الطفل أن يستيقظ بمجرد الإحساس بامتلاء المثانة,طبعا السيارة لم تكن كائنا حيا لكنها اتاحت موقفا نتسلل منه الى استحضار نظرية التعلم الشرطى لنفيد منها فى التعلم وفى الحياة.