الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: البناء المعرفي

صدى البلد

عندما تسمح الفرصة ويدع أفراد الأسرة هواتفهم النقالة جانبًا مجتمعين على طعام أو حديث، ويتم فتح أي من الموضوعات ذات الشأن العام أو تلك المتعلقة بالتاريخ المحلي أو العالمي، أو تتطرق إلى بعض الأماكن على خريطة العالم، ستفاجأ بمستوى البناء المعرفي لدى الأبناء في مختلف مراحلهم التعليمية وباختلاف أنواع هذا التعليم من محلي إلى دولي.

لا تستغرب من عدم إلمامهم بما يحدث على الساحة الداخلية أو العالمية من تطورات رغم مكوثهم جل ساعات اليوم على شبكة الإنترنت، وستجدهم لا يعلمون شيئًا عن سِيَر مشاهير وزعماء التاريخ، بل والفن والأدب أيضًا، وإذا تحدثت عن بقعة من الأرض أو عاصمة إحدى الدول، ستجدهم يتندرون بمعرفتك لهذه الأشياء الغريبة!

لقد اختلف البناء المعرفي لدى الطلاب في مختلف مراحل التعليم عما كان في الماضي مما أنتج أجيالًا لا تعلم شيئًا عن التاريخ والجغرافيا والقضايا العالمية المعاصرة.

فبرغم التطور العلمي المذهل الذي وصل إليه العالم في العقود الأخيرة وتطور وسائل التكنولوجيا والاتصالات وسهولة الوصول إلى الموسوعات والمعلومات التي كانت عزيزة فيما مضى إلا أن ذلك لم يؤثر إيجابيًا على المخزون المعرفي والثقافي لدى هذه الأجيال التي باتت بمعزل عن الماضي والحاضر

لا شك في أن أساليب التعليم التلقيني في المدارس والجامعات التي تعتمد على القدرة على حفظ بعض المعلومات في المناهج والظروف المحيطة من الأحداث التي كانت تتسبب في إلغاء أجزاء من تلك المناهج وطرق الامتحانات المعتمدة على نمط متكرر، أدى لانتشار الدروس الخصوصية حتى يتمكن الطلاب من الحصول على تقديرات عالية غير معبرة عن مدى الاستيعاب والإلمام بكم المعلومات، وهذا ما وصل بنا إلى هذا المستوى المتدني خصوصًا بعدما تحول التعليم إلى مهنة ومهمة وليس رسالة كما كان في الماضي.

أن ضعف الإمكانات في الماضي لم يؤثر على ذلك البناء المعرفي لدى جميع الدارسين في مختلف مراحل التعليم، بل إن منهجية البحث التي كان يتم تعليمها للطلاب في الماضي للوصول إلى المعرفة لم تعد متوفرة اليوم رغم محاولة تطوير المناهج ودعمها بالوسائل الحديثة من التكنولوجيا.

لقد كانت هناك مسابقات في المعلومات العامة والتاريخية خارج إطار المناهج يتم تنظيمها بشكل مستمر، تستوجب على المشتركين فيها من الطلبة المذاكرة والبحث حتى يمكنهم كسب هذه المسابقات، كما كانت هناك مسابقات في القراءة الحرة والكتابة وتلخيص ما تم قراءته ومناقشته مع لجان الاختبار، كما كان هناك احتفاء بالمتميزين والموهوبين في كل المجالات في المدارس والجامعات أدت إلى بناء أجيال من الموهوبين والمثقفين الذين يدركون واقعهم المحلي والعالمي.

إن ساعات طويلة من البقاء على اتصال بشبكة الإنترنت لم تفعل شيئًا من كل هذا، بل أكسبت هذه الأجيال طابعًا من الكسل الذهني والبدني يصعب إصلاحه في وقت قصير، فعندما يحين وقت تجديد باقة الإنترنت المنزلي تجد عواصف من السعي لتجديده في ساعات الليل المتأخرة من الشتاء، وكأن الحياة يمكن لها أن تتوقف هذه السويعات التي يهجع البشر فيها مريحين أبدانهم بالنوم، وكيف لا وماسورة البحث العلمي قد توقفت عن ضخ المياه بتوقف الإنترنت!

إن إعادة النظر في منظومة البناء المعرفي للطلاب والشباب يجب أن تتغير، وهذا التغيير يجب أن يكون من المنزل ومن المدرسة والجامعة لا سيما وإننا نمر بمرحلة تطوير القالب التعليمي والدراسي في التعليم ما قبل الجامعي، لأن ترك هؤلاء الشباب بهذا الشكل يجعل منهم مادة خصبة لنشر الكثير من الأفكار المسمومة والمتطرفة من هؤلاء الذين استفادوا من وجود هذه الفجوة.

فلن يسهل انزلاق الشباب المثقف الواعي بقضايا أمته والتطورات المعاصرة من حوله إلى التطرف أو المخدرات، لكن هؤلاء الفارغين من الداخل يمكن بسهولة ملء فراغهم بالكثير من الملوثات الفكرية التي لا شك في أنها ستنعكس على شكل الواقع الذي نعيشه.