الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا


الإصرار ..... التحدي ..... العناد مع الثقة بالنفس .. هى صفات كانت لأول فتاة مصرية تحصل على شهادة " البكالوريا "عام  1907 م حين كانت هذه الشهادة من حق الطلاب الذكور فقط ، لتصبح أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية ومفكرة واديبة لها مناهج تدرس بالمدارس فهى إحدى رائدات التعليم والعمل الوطنى وتحرير المرأة والحركات النسائية المصرية خلال النصف الاول من القرن العشرين .


لم تكن نبوية موسى - التى ولدت عام 1886م – مجرد فتاة مصرية ريفية عاشت فى القاهرة ’ ولكنها رغم فقدها حنان الأب الذى لم تراه وكان ضابطا بالجيش المصرى ويعمل بالسودان ، فهى طفلة مدللة من والدتها واخيها الذى يكبرها بعشر سنوات استطاعت هذه الفتاة أن تحقق ذاتها وتصل الى ما تتمناه وتتعلم مثلها مثل اخيها .


الإصرار ... كان عندما تعلمت حروف الهجاء من اخيها وقدرتها الهائلة على حفظ القصائد ومعظم العلوم من اخيها الذى كان يدرس بإحدى مدارس القاهرة، وفى الوقت نفسه رفضه متضامنا مع والدتهما وعمهما التحاق نبوية بالمدرسة السنية حين بلغت الثالثة عشر ، ولكنها اصرت على التعليم وذهبت سرا الى المدرسة ومعها ختم والدتها دون علمها ، لتقديم اوراقها ، وحتى تجبر المدرسة على قبولها جعلت الطلب بمصروفات فى حين كانت اغلب البنات يتعلمن مجانا فقد باعت اسورتها الذهبية ، وبالفعل التحقت نبوية موسى بالمدرسة السنية وحصلت على الشهادة الابتدائية عام 1903م  ثم دبلوم المعلمات فى عام 1906م واصبحت معلمة فى مدرسة عباس حلمى الابتدائية بمرتب ستة جنيهات .  


ومن هنا جاء التحدى .....حين اكتشفت ان مرتب زملائها من الذكور من خريجى مدرسة المعلمين العليا  13 جنيها فتساءلت على أى أساس هذة التفرقة ؟ فقالت لها وزارة المعارف إنها لم تحصل على البكالوريا ،  و عليه قررت نبوية موسى خوض معركة الحصول على شهادة " البكالوريا " و لكنها لم تكن معركة  لاختبار مدى كفاءتها العلمية لنيل الشهادة ، و لكنها كانت حربا نفسية و معنوية . لم تجد نبوية من يقف بجانبها سواء من زملائها او مديريها ، لكن كانت ثقتها بنفسها و إمكانياتها بلا حدود حتى ان د." فلوب " مستشار التعليم الانجليزى و الرجل القوى فى وزارة المعارف وقتها وصفها بانها " عنيدة " . 


و تقول نبوية موسى فى مذكراتها "أنها كانت تسمع باذنيها وهى تركب الترام بجوار اخيها " دون ان يعرفها احد " وهى فى طريقها لاداء إمتحان البكالوريا استهزاء الطلبة على هذة الفتاة التى تقدمت مثلهم للحصول على البكالوريا و تقول : كان شقيقى يصحبنى فى ذهابى و إيابى فكنا نجلس فى آخر عربة فى الترام حتى لا تتجه انظار الطلبة إلينا و كانت أحاديثهم تنصب علىّ فمنهم من اقسم على ضربى إذا فشلت و سقطت فى الإمتحان ’ ومنهم من قال أن سقوطها محتم و ما دخلت الإمتحان إلا لإبداء جمالى و تبرجى " . 


اما فى لجنة الامتحان فكان الامر يبدو صعبا على نبوية موسى  فكانت اللجنة  تتكون من ثلاث مراقبات  فرنسية وإنجليزيتين كانت احداهما ناظرة مدرسة السنية التى تخرجت فيها ، واستمرت الناظرة  حتى اثناء الامتحان تسخر من نبوية و تتوعدها بالرسوب المحقق . فى النهاية استطاعت نبوية موسى ان تقهر كل الصعاب و تحصل على شهادة البكالوريا و يكون ترتيبها  43 من  اجمالى 200 طالب  متقدمين لشهادة البكالوريا على مستوى القطر المصرى و بالطبع  كانت هى الفتاة الوحيدة لذلك كان  لنجاحها دوي كبيرا على صفحات الجرائد . 


اكدت نبوية فى مذاكرتها حبها للحرية و الاستقلال و العمل ،ومن أبرز مواقفها لتمردها على القيود هو موقفها من مناهج التعليم  التى يتم تدريسها  لأنها ترى أن اساس التعليم قائم على " الاخذ  بالمنطق " لا " بالقواعد "  لذلك لجأت الى تاليف مناهج دراسية خاصة بتلميذاتها وقد اقرتها بالفعل وزارة المعارف .   ولكثرة تمردها واختلافها مع الإنجليز اعطتها وزارة المعارف أجازة مفتوحة ، فانتهزت هذه الفرصة و تفرغت لإدارة و انشاء عدد من مدارس لتعليم البنات فى الفيوم و القاهرة و الاسكندرية فقد تولت نظارة مدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم لتكون اول ناظرة مصرية ،  و اصدرت مجلة " الفتاة " الإسبوعية و كتبت عدة مقالات بجريدة الأهرام انتقدت فيها سياسة التعليم.. 


رشحها أحمد لطفى السيد  1910م لتكون ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة فتولت إدارتها ونهضت بها وحازت المدرسة على المركز الأول فى امتحان كفاءة المعلمات الأولية . ثم تم نقلها الى القاهرة لتعين فى وزارة المعارف فى وظيفة وكيل مدرسة معلمات بولاق فى 1914م ، ثم تم ترقيتها 1916م لتكون ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالأسكندرية حتى 1920م  كما نجحت بالإتفاق مع جمعية " ترقية المرأة " فى تأسيس مدرسة ابتدائية للبنات  بالاسكندرية وتولت ادارتها .


 كانت أزهى فترات نبوية موسى نشاطا وحيوية الفترة 1937 -1943 فإلى جانب إدارتها للمدارس والتى اكتسبت سمعة طيبة ،انشأت مطبعة واصدرت مجلة اسبوعية باسم " الفتاة " وصدرعددها الأول 1937م كما قامت بنشر كتاب عن المرأة والعمل عام 1920م .     


 ومع زيادة مسيرة الحركة الوطنية عام  1919م ،  نقلها الإنجليز من الأسكندرية إلى القاهرة فى قطار خاص بحجة خطورتها  على مصالحهم  و كانت معروفة بمهاجمتها لسياسة " دانلوب " .


لها بعض المؤلفات  قررتها وزارة المعارف كمناهج دراسية فى اللغة العربية ، كما لها تراث من الفكر التربوى خاصة وأنها شاركت فى كثير من المؤتمرات التربوية التى عقدت خلال النصف الاول من القرن العشرين لبحث مشكلات التعليم . 


كان لنبوية موسى دور كبير فى الدفاع عن حقوق المرأة ،حيث شاركت فى الحركة النسائية وكانت ضمن الوفد النسائى المصرى فى مؤتمر المرأة العالمى بروما عام  1920م وكان يضم هدى شعراوى مؤسسة الاتحاد النسائى المصرى وسيزا نبراوى .


عاشت نبوية موسى معظم سنوات عمرها حنى وفاتها  عام 1951م فى الدفاع عن تعليم المرأة ، ولها تاثيرها الواضح فى هذا المجال بل يمكن ان يقال أنها قضت حياتها فى كفاح ضد الرجعية و الجهل التعليمى بشتى انواعه و لها كثير من المؤلفات و ديوان لقصائد شعرية .


كما كانت لنبوية موسى أراء اقتصادية فهى من انصار حرية "المشروع الخاص" وترى أن تركيز الأعمال فى يد الحكومة خطر على أموال الدولة وسعادة الشعب ، وانتقدت بشدة اسلوب الحكومات فى التدخل فى الأمور الاقتصادية  وإدارة المشروعات الإنتاجية ، وقصورها عن تادية ذلك بالمستوى نفسه الذى يؤدية أفراد الشعب . 
لم تستطيع أى فتاة الحصول على البكالوريا إلا بعد 28 عاما من حصول نبوية موسى على هذة الشهادة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط