الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اللَّهَ يَغْفِرُ.. أم لا يَغْفِرُ!


يرى البعض أنه يوجد تناقض في القرآن الكريم بين قوله تعالى: (ِإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) الزمر 53، وبين قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء116، والسؤال هل الله تعالى يغفر؟، أم لا يغفر؟.

لقد قرر الله تعالى أنه يغفر الذنوب كلها: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر 53، والخطاب لكل الذين ارتكبوا الكثير من الذنوب، وأن عليهم التوبة بأن ينتهوا تمامًا عن فعل الذنوب وليس فقط أن يكفوا عنها، لأنهم إذا ماتوا بلا توبة فلن يغفر الله لهم أبدًا وسيدخلون النار خالدين فيها.

ولتوضيح الفرق بين أن ينتهوا وأن يكفوا، فمثلًا المغفرة من الكفر تتطلب من الناس أن ينتهوا تمامًا عن الكفر: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) النساء 137، بحيث لا يتأرجحون بين الإيمان وبين الكفر، فيؤمنوا ثم يكفروا ثم يؤمنوا ثم يكفروا.

وأن يكفوا فقط لا يكفي ولا يغني عن أن ينتهوا، فقد كان بعض المنافقين يتآمرون على المسلمين، يزعمون أنهم أسلموا ويدخلون المدينة يتجسسون ويعقدون معاهدة ثم ينقضون عهدهم: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) النساء91، والمعنى أن يكفوا لا يعني أنهم انتهوا نهائيًا، الا اذا أعلنوا السلام، والسبب أنهم اعتادوا أن يكفوا عن الاعتداء ثم يعودوا للاعتداء من جديد.

ومعنى أن ينتهوا، فقد جاء الأمر بالنهي من الله تعالى عن الخمر والميسر: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة 91، من انتهى فقد فاز، ومن لم ينته فهو خالد فى النار.

وفي تشريع الجهاد يكون الانتهاء بمعنى التوقف نهائيًا عن الاعتداء هو الفيصل، وقد حدث بعد فتح مكة سلميًا أن بعض كفار قريش نقضوا العهد واعتدوا على المؤمنين في الحرم المكي، فنزل تشريع خاص بمنحهم مهلة الأشهر الحرم ليكفوا عن اعتدائهم، وإن لم ينتهوا فيجب قتالهم: (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) التوبة 12، والهدف من قتالهم أن ينتهوا عن الاعتداء.

في دولة الإسلام الأولى بالمدينة تمتع المنافقون بالحرية الدينية كفرًا واستهزاءً بالله تعالى وبرسوله، وتمتعوا بالحرية السياسية في المعارضة والعصيان للنبي والتراجع عن الدفاع عن المدينة بالنفس والمال، وحذرهم تعالى من تطوير معارضتهم الى حمل السلاح ضد المؤمنين: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) الأحزاب 60-61، وكلمة (ثُقِفُوا) تعني حملوا السلاح واستعدوا للحرب.

وعن الكفر والشرك نجد الكلمتان تأتيان في آية واحدة: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) البينة 1، والكفر في اللغة العربية يعنى التغطية، فالكفر بالله يعني تغطية المعرفة بالله وانكار وجوده، وقد وصف تعالى المزارعين بالكفار، فالزارع يسمى في اللغة العربية كافر، لأنه يكفر تقاوي الزرع بمعنى يغطيها بالتراب والماء لتنمو: (..كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ..) الحديد 20.

وفي داخل الشرك نوع من الإيمان بالله ولكنه غير صحيح حيث يتم خلط الإيمان بالله مع الإيمان بشركاء لله في التقديس، ووصف تعالى أكثرية البشر بأنهم لا يؤمنون بالله إلا ويشركوا معه غيره: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) يوسف 106، وهذا سيؤدى بالمشركين الى النار يوم القيامة، لأنهم لا يؤمنوا بالله إلا ويجعلوا معه شريكًا: (ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) غافر 12، حتى أنه تعالى وصف الشرك بأنه ظلم عظيم في حق الله وفي حق المشرك الذي ظلم نفسه: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان 13. 

لقد أنزل الله تعالى القرآن هداية للناس، من خلال الأوامر والنواهي التي توضح أن الإيمان الصحيح هو الإيمان بالله وحده والابتعاد عن الكفر والشرك، فالذنوب التي يقع فيها من يؤمن بالله وحده هى التي سيغفرها تعالى، أما الذنوب التي يقع فيها المشرك الذي لا يؤمن بالله وحده هى التي لن يغفرها تعالى، فلا معنى لمغفرة الذنوب في وجود الشرك بالله، ولذلك فلا تناقض بين قوله تعالى: (ِإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) الزمر 53، وبين قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء 116.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط