الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمود جلال يكتب: استثمار الشركات في الابتكار

صدى البلد

تحتاج الشركات حتى الكبرى منها إلى مواصلة الابتكار وإلا سوف تواجه خسائر متزايدة في ظل منافسة شديدة في زمن العولمة، وأحد المؤشرات الرئيسية لمدى دعم الشركات للابتكار هو مقدار ما تنفقه على البحوث والتطوير.


ويبلغ إنفاق قائمة أفضل 1000 شركة الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير حوالي 40 ٪ من إجمالي الإنفاق على البحوث والتطوير في جميع أنحاء العالم، حيث يبلغ الإنفاق العالمي على البحوث والتطوير 2 تريليون دولار سنويًا.


وتتصدر شركة "أمازون" قائمة الشركات الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير عالميا بقيمة 22.6 مليار دولار، تليها شركة ألفابت (جوجل) بقيمة 16.2 مليار دولار، ثم شركة فولكس فاجن بقيمة 15.8 مليار دولار...إلخ، والتي تمثل المزيد، أو نفس الشيء تقريبًا، من إنفاق حكومات تقع في البلدان الأعلى تصنيفًا في المؤشر العالمي للابتكار منها سويسرا بقيمة 18 مليار دولار والتي تحتل المركز الأول في المؤشر العالمي للابتكار.


وإذا نظرنا إلي كثافة البحوث والتطوير، والتي تمثل العلاقة بين المبلغ الذي تنفقه الشركة على البحوث والتطوير والمبلغ الإجمالي للإيرادات التي حققتها (وبالتالي الإنفاق على البحوث والتطوير بشكل عام)، فنجد أنها ازدادت بشكل حاد على مدار الأربعين عاما الماضية، والآن يفوق بشكل كبير الإنفاق على التسويق في العديد من الشركات، وذلك كنتيجة مباشرة لإدخال نظام الائتمان الضريبي للبحوث والتجريب منذ عام 1981 في الولايات المتحدة، ومخططات مماثلة في بلدان أخرى، الأمر الذي أعطى حافزًا إضافيًا للشركات للاستثمار في الابتكار.


حيث وصلت نسبة كثافة البحوث والتطوير إلي اكثر من 10% لدى الكثير من الشركات في قائمة أكثر 25 شركة إنفاقًا على البحوث والتطوير. لذلك ، هناك اتجاه واضح مفاده أن الجادين في البحوث والتطوير يضعون الكثير من الموارد وراءه.


وتميل الشركات الأصغر (في قائمة الشركات الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير) إلى الإنفاق على البحوث والتطوير أكثر من نظيراتها الأكبر، كنسبة من إيراداتها، أي هي الأعلى كثافة في البحوث والتطوير، وقد يعني هذا أنهم ينفقون المزيد من أجل اللحاق بالشركات الكبرى، أو أن الشركات الأكبر قد نمت بمرور الوقت وتركز أكثر في الوقت الحالي على خفض التكلفة بدلًا من الابتكار. 


ولكن انخفاض كثافة البحوث والتطوير ليس شرط أن يكون مؤشر لضعف الابتكار، حيث يمكن أن تنفق شركة كبيرة أكثر من منافسيها الأصغر ولكن نظرًا لأن إيراداتها أكبر فتكون كثافة البحوث والتطوير أقل.


على سبيل المثال ، أنفقت شركة تسلا 1.4 مليار دولار على البحوث والتطوير في 2018 من إيرادات بلغت 11.8 مليار دولار، وهو ما يمثل كثافة بحوث وتطوير بنسبة 12٪. في الوقت نفسه، أنفقت فولكس فاجن أكثر من 11 ضعفًا على البحوث والتطوير (15.7 مليار دولار) ولكن نظرًا لأن إيراداتها كانت أكبر ب 20 مرة (277 مليار دولار)، فقد كانت كثافة البحوث والتطوير أقل بنحو 6٪.


ونظرا للمنافسة الشديدة خاصة من المنافسين الجدد والشركات الناشئة وتطور ذوق المستهلك وتحولات السوق، فنجد أنه قد منيت 39 شركة من قائمة 500 شركة الأكثر إيرادًا على مستوى العالم خسائر صافية في عام 2018، الامر الذي يتطلب من هذه الشركات تحسين المعدلات وتعزيز قدرات الابتكار لديها.


هذا وتتصدر شركات التكنولوجيا قائمة الشركات الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير (بقيمة 268.8 مليار دولار والتي تمثل نسبة 31.3%) وتليها شركات الادوية (بقيمة 160.7 مليار دولار والتي تمثل نسبة 18.7%) ثم شركات السيارات (بقيمة 143.9 مليار دولار والتي تمثل نسبة 16.8%)، حيث تهيمن هذه الصناعات الثلاث على إجمالي الإنفاق العام على البحوث والتطوير بما يقرب من ثلثي إجمالي الإنفاق على البحوث والتطوير.


ونجد أن الحوافز الضريبية التي تقدمها الحكومة الأمريكية للشركات التي تنفق على البحوث والتطوير، جعلها الدولة التي لديها الشركات الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير على مستوى العالم بقيمة 338.71 مليار دولار (بنسبة 39% من إنفاق الشركات على البحوث والتطوير عالميا)، هذا وتهمين كلا من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والصين على قائمة الشركات الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير في العالم، حيث تشكل هذه البلدان الأربعة 72٪ من إجمالي إنفاق الشركات على البحوث والتطوير عالميا.


وكل دولة من هذه الدول الأربعة لها الريادة في مجالات معينة، فنجد أن الولايات المتحدة هي الرائدة في الإنفاق على البحوث والتطوير من قبل شركات التكنولوجيا والأدوية والاتصالات والرعاية الصحية والشركات الصناعية، بينما تنفق اليابان أكبر قدر على البحوث والتطوير في مجال الإلكترونيات والأجهزة المنزلية والكيماويات، وألمانيا تنفق أكثر على السيارات، أما الصين هي الأكثر استثمارًا في البحوث والتطوير في مجال البناء.


هذا أيضًا لا يأخذ في الحسبان برامج البحوث والتطوير العسكرية الأمريكية، حيث ينفق جيش الولايات المتحدة سنويا 104.3 مليار دولار أمريكي على أنشطة البحوث والتطوير والاختبار والتقييم، أي أكثر من إنفاق شركات أمازون وألفابت وفولكس فاجن وسامسونج ومايكروسوفت وهواوي (أكبر 6 شركات إنفاقا على البحوث والتطوير) مجتمعة، مما يجعله على الأرجح أكبر منفق في العالم على البحوث والتطوير.


مثال آخر على حجم الإنفاق على البحوث والتطوير من قبل الجيش الأمريكي، تقدر تكلفة برنامج F-35 Joint Strike Fighter بأكثر من 1 تريليون دولار أمريكي على مدار 60 عامًا.


وختامًا فقد رأينا حجم استثمار الشركات الكبرى في البحوث والتطوير، وكيف أن كثافة البحوث والتطوير للشركات ترتفع بالفعل بمرور الوقت، لذلك يجب على شركاتنا الوطنية تبني سياسات مشابهة من أجل معاونة الحكومة في اللحاق بالركب العالمي ونهضة ورفعة الوطن، وذلك من خلال وضع إستراتيجيات واضحة وتنفيذية للإبتكار وتدعيم الهياكل الوظيفية للبحوث والتطوير بها، وفي المقابل تقوم الدولة بتقديم حزمة من الحوافز التشريعية والتنفيذية متضمنه إعفاءات ضريبية وتقديم تمويل بشروط ميسرة للأنشطة الإبتكارية، وذلك لتشجيع ومعاونة الشركات الوطنية التي سوف تتبنى هذه الإستراتيجيات.


(المصدر: ترجمة لمقالات أجنبية عن الشركات الأكثر إنفاقا على البحوث والتطوير)


(لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة سلسلة مقالاتنا السابقة تحت عنوان في سبيل مشروع قومي للاستثمار في الإبتكار).