الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: قرية صهـــــــبرة

صدى البلد

عندما تحدث الرئيس السيسي الأسبوع الماضي عن تطوير القرى، وتوجيه الحكومة إلى الاهتمام بالريف المصري تذكرت قريتي الجميلة "صهـــــــبرة" التي تقع في مركز "ديرب نجم" بمحافظة الشرقية وكأنني أرى وجوه أهلها الطيبين وهم يشاهدون حديث الرئيس الذي يوجه طاقات التطوير نحوهم بعد عقود من إهمال الريف من الحكومات السابقة وترك أهله يعتمدون على أنفسهم في بناء المدارس بالجهود الذاتية وعمل شبكات الصرف الصحي وجمع الأموال القليلة للمساهمة في بناء دور المناسبات وغيرها من المشروعات التي تخدم أهل القرية بعدما تبخّر الحلم الذي كان يتغنى به العندليب الأسمر – عبدالحليم حافظ – (( تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا))، فقد عانى الريف كثيرًا حتى تم توصيل التيار الكهربائي وشبكة التليفونات التي كانت حتى أوائل التسعينات في الريف عبارة عن تليفونات ((بالمنفلة))، حيث لا يمكنك الاتصال مباشرة بأي شخص وإنما عليك تدوير ((المنفلة)) حتى يرد عليك موظف "السويتش"- إن كان متواجدًا - لطلب الرقم الذي تود الاتصال به!

ومع ذلك لم تفل عزيمة أهل قرية "صهـــــــبرة" الطيبة ولا اصرارهم على التطوير، تارة عن طريق جمع التبرعات من المواطنين، وتارة أخرى عن طريق الضغط على بعض نواب مجلس الشعب لتخصيص بعض الأموال من الموازنة العامة لصالح بعض الاحتياجات الضرورية.

فقد ظل الطريق الذي كان يربط "صهـــــــبرة" بالمركز والقرى من حولها ترابيًا حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، ومن النوادر التي كنت أسمعها آنذاك أنه عندما كان يسعى أهالي القرية للمطالبة بتعبيد الطريق بالأسفلت لدى الجهات المختصة كانوا يعودون إلى القرية بإجابة غاية في الطرافة، وهي أن هذا الطريق - طبقًا للبيانات المتوفرة لدى هذه الجهات - قد تم الانتهاء من تعبيده بالأسفلت منذ سنوات! وربما تُصرف له بعض الأموال لرفع كفاءته! بينما لم يشمّ هذا الطريق رائحة ذلك الأسفلت من قَبْل!

ومع ذلك لم ييأس أهل القرية وشبابها المتحمس من السعي للحصول على أقل الإمكانات لتتمكن القرية من مواكبة العَصر وهي في نفس الوقت رغم ضعف تلك الإمكانات والمعاناة تقوم بتخريج الأطباء والمهندسين والمحامين والمُعلمين الذين منهم من يشار إليه بالبنان الآن.

لم تقتصر جهود أهل قرية "صهـــــــبرة " الطيبين على العمل على تطوير البنية التحتية في القرية فحسب، بل امتدت أيديهم إلى إقامة "مقامات" لأولئك الصالحين المدفونين في ثراها كما هي عادة القرى في مصرنا الحبيبة، وقد كنت أتعجب عندما كنت صبيًا من إقدام أهل القرية على تكبد تلك المعاناة في تشييد "مقام" لأحد الصالحين بجوار الترعة مثلًا وتحويل قبره الذي كان عبارة عن شاهد مثبت في بناء مخروطي الشكل مبني من الطين لا يزيد ارتفاعه عن متر إلى "مقام" كبير مشيد بشكل جميل، حتى قرأت قصة يوسف إدريس "سِره الباتع" والتي كانت تتحدث عن نفس الأحداث التي تحدث في قريتنا مع هؤلاء الصالحين وما حدث من تطوير لمدافنهم وما كان يشاع عندما كنا نلعب الكرة ونحن صبية بجوار أحد تلك "المقامات" ويخاف أحدهم من جلب الكرة من محيط "المقام" إذا اقتربت منه حتى لا يصيبه غضب "الشيخ حسن" أو "الشيخ ابن سلام"! ... نفس ما كتبه يوسف إدريس وكأنه كان يلعب معنا!

إنها نفس الثقافة التي تتوارثها الأجيال وتعيد إنتاجها مع المحافظة على احترام القيم النبيلة وإعلاء قدر الصالحين والطيبين في هذا المجتمع...

لا شك أن هنالك الكثير من مشروعات التنمية والتطوير التي تحتاجه تلك القرى من اقامة مراكز طبية ومدارس ومراكز شباب وملاعب وشبكات ومحطات للصرف الصحي وتحسين شبكة الطرق حتى يعود إلى الريف وجهه الحضاري، فهو قلب مصر النابض على مر العصور ...

إن اهتمام القيادة السياسية بالقرى في هذه المرحلة هو دليل على شمولية التطوير الذي تشهده مصر على مستوى البناء وعلى حرص القيادة على أن يطول هذا التطوير جميع ربوع مصر في كافة القطاعات لتكون مصر الجديدة التي لم تر هذه التنمية الشاملة منذ عهد محمد علي، قد عبرت نحو المستقبل الذي ينتظرها لتستعيد فيه مكانتها المرموقة بين الأمم.