الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. عيد حسن يكتب: وثيقة الأخوة الإنسانية.. دعوة للتعايش وقبول الآخر

صدى البلد

تهل علينا في هذه الأيام الذكرى الثانية لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وقد أسهمت هذه الوثيقة في إرساء معالم التعارف، والتعايش، وقبول الآخر، وجميعها قيم تستقي دعائمها من السنة النبوية المشرفة.

من ذلك أنه حين سأل رجل النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»(متفق عليه)، فرغَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يُشيع الترابط والتآخي بين البشر باختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافاتهم، وقد كان هذا فهم الصحابة الكرام- رضوان عليهم- فقال عَمَّارٌ - رضي الله عنه -: «ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ» ولو تأملنا عبارة «ذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ» لأدركنا أثر التربية النبوية الشريفة في نفوس الصحابة إذ رسخت هذه التربية لنشر ثقافة السلام بين المسلمين بعضهم البعض ،وبين المسلمين وبني الإنسان عامة.

كما نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن كل ما من شأنه أن يعكِّر صفو هذه الأخوة وهذا التعايش وما من شأنه أن ينشر ثقافة الكراهية من تقاطع وتدابر وتحاسد وغير ذلك، وقد وردت في هذه المعاني جملةٌ من الأحاديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ذلك:
ما رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا». (متفق عليه).

فهنا يحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفات لا يخلو منها مجتمع إنساني، وهذه الصفات أسباب رئيسية للتدابر والتباغض قاطعة لحبال الأخوة وعرى المودة بين الناس.
ثم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر خطورة الحسد والبغضاء التي قد تسلب من الإنسان دينه؛ لأن المحبة هي دليل الإيمان وشعاره.

وعن الزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ». (أخرجه الترمذي بسند حسن).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطبق هذه المعاني النبيلة تطبيقًا عمليًّا كي يفقه الصحابة والأمة من بعده أثارها:
- فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ، أَوِ الفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ»، وفي رواية: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» (أخرجه البخاري في الصحيح) وهنا يرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجه إلى التعامل بالرفق، والمعاملة الحسنة حتى مع من أساء.

وحين مرض جارٌ يهدوديٌّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجبر خاطره،  فعن أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»(أخرجه البخاري في صحيحه).
وتعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بني الإنسان وإن لم يؤمنوا به، حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهونة عند يهودي بطعام له ولأهله رضوان الله عليهم، قالت عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» (أخرجه البخاري في صحيحه).
فهل بعد هذه الإرشادات النبويَّة الشريفة والأفعال الجليلة يبقى أثر لدعوات تحاول أن تنشر ثقافة الكراهية بين البشر، بل تحاول أن تجعله شعار الإسلام ودثاره؟!