الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: لغتنا العربية خالدة

صدى البلد



على الرغم من تنكّر الكثيرين من أبناء العربية للغتهم، إلا أن هذه اللغة ظلت باقية وفيّة لأبنائها، رغم ما تُلاقيه في الوقت الحاضر من تهميشٍ وإقصاء؛ لطمس هويتها، لكنها بكل تأكيد محاولة فاشلة، فما دامت هذه اللغة هي لغة القرآن والصلاة، فلا يمكن أبدًا أن تندثر، ولا أدلّ على ذلك من تعدد الحملات الصليبية المتعاقبة على العالم العربي الإسلامي، إلاَّ أنها مازالت  باقية شامخة رغم كل ما بذله ويبذله هؤلاء الغزاة إلى اليوم من جهود مضنية للقضاء عليها وطمس هوية الناطقين بها؛ للحد من انتشار الإسلام، إلاَّ أن جميعها قد باء بالفشل الذريع، وانتشر الإسلام رغم ذلك ليصل بسماحته إلى عقر دارهم، وأخرج الله من أصلابهم من يشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله - ﷺ. 
اعتنقه الكثير من ذرياتهم وفشلت محاولاتهم المتكررة في النيل من الإسلام واللغة العربية، وأظنها لن تنجح أبدًا؛ ليس لأننا نتصدى لها، ولكن لأنها لغة القرآن الكريم - الذي نزَّله الله وتكفل بحفظه، فخابت كل مساعيهم في القضاء عليها وإخضاعها، وظلت هي اللغة النموذجية التي تفرض نفسها على كل اللهجات في مختلف الأقطار العربية، وغير العربية ممن يعتنقون الإسلام، ويحفظون القرآن بلغته التي نزل بها، فحافظت على تجددها ومازالت هي المصدر والأساس الذي تستمد منه هذه اللهجات مفرداتها في التعبير عن المعاني الراقية في الآداب وشتى العلوم .
اتهمت بالضعف والتخلف رغم صمودها في مواجهة كل محاولات القضاء عليها، واستطاعت أن تصمد أمام تحديات كثيرة فحافظت على قواعدها سالمة؛ لتجيب على تساؤلات المفكرين وعلماء الدين في بحثهم عن أدق المعاني والأحكام،
غير أن ضعف همة أبنائها في الآونة الأخيرة، وتقصيرهم في دراستها بات واضحًا، فانشغلوا عن مسئوليتهم في الحفاظ على تراثهم، وحماية لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم ورمز سيادتهم الحضارية في مواجهة حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من حضارات معاصرة، واستسلم أبنائها أمام زحف اللغات الأجنبيّة حتى تكونت في العالم العربي جبهة
من المشتغلين بالعلوم فُتنوا بالإنجليزية والفرنسية واعتبروها من مظاهر التحضر والرقي، فعزلوا العربية في دارها، وتركوها أمام المتغيرات والمستجدات التي تطرأ كل يوم، حتى أصبحت حياة اللغة في بلدانها وبين أبنائها مهددة بالخطر.
يقول غوستاف لوبون: 
إن اللغويين مع كثرة عددهم قد انتحلوا اللغة اللاتينية في أقل من قرنين بعد الفتح الروماني، غير أن اللغويين لم يلبثوا أن حولوا هذه اللغة على حسب احتياجاتهم، ووفق منطق روحهم الخاص، ومن هذه التحولات خرجت لغتنا الفرنسية الحاضرة في آخر الأمر.
وهذا عكس اللغة العربية التي مازالت موصولة الرحم منذ نشأتها الأولى إلي يومنا هذا في حين انقرضت أو تغيرت جميع اللغات الأخرى، مما يؤهلها أن تكون لغة إنسانية..

أما اللغة العربية فإن عالميتها مستمدة من عالمية الإسلام والقرآن الذي نزل بها، وقدسيتها مستمدة بلا خلاف من قدسية هذ الكتاب المنزَّل من عند الله، ولا أدل على ذلك من الشعوب التي تبنت العربية بعد إسلامها وأتقنتها، فأنجبت أمراء البيان، وقد كانت من قبل شعوبًا أعجمية - مختلفة الألسن، من بابلية وفينيقية، وقبطية ، وأمازيغية ..
وهذا دليل واضح بما لا يدع مجالًا للشك على أن دساتير الأرض قابلة للتغيير والتعديل، وكل الأنظمة السياسية يمكن أن تتبدل، ولكن مالا يمكن أن يتغير أبدًا هو كلام الله عز وجلَّ ودستور السماء، وبما أن كلام الله سبحانه وتعالى أبدي، فالعربية أبدية،
ولا شكّ أن الكثير من علمائها قد أدّوا واجبَهم تجاهَها دون تقصير، لكنّ الواجب الأكبر يقع بلا شك على عاتق أبنائها الذين أوْلى بهم أن يفتخروا بانتمائهم إليها لا التملص منها،
فهل ندرك ذلك ونرجع إلى لغتنا العربية الباقية، أم نظل هكذا متطفلين على لغات أخرى قد يكون مصيرها إلى زوال؟!