الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التراجع قوة أحيانًا


سألني صديق عن وصفة غرامية تعيد أواصر المحبة بينه وبين شريكة عمره بعد أن وصلت علاقتهما لطريق ألا عودة،.. والسبب ببساطة أنه لم يستطع قياس الوقت الصحيح في التراجع عن قرار اتخذه بنية رجالية مبيتة على كسر عزيمتها في الحصول على ما تريد، .. وبدلًا من أن يقنعها بوجهة نظره بالحجة والدليل، تجاهل مشاعرها  تمامًا، وألتزم الصمت لأيام وليالي طوال وكله ثقة ويقين من سئمها مما أسماه  "زن" ... فكانت النتيجة ارتفاع سقف مطالبها، فلم تكتف باعتذاره، وإعلان ندمه على إهمالها بل أصرت على الطلاق، وبمنتهى العناد رفضت كافة محاولات الصلح.



ولا أعرف لما ولا كيف عدت بذاكرتي للوراء وتحديدًا لمرحلة الطفولة المبكرة أي في السبعينات،.. وقتها كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات يحكم البلاد، وسرعان ما تذكرت عبقريته  في إدارة الأزمات، أليست السياسة أحد فنون اتخاذ القرار،.. فلماذا لا نستفيد إذن من دروسها ونجعلها دليلا إرشاديا يوجهنا حتى في علاقاتنا الشخصية والعملية؟!.. فأبدًا لم ولن أنسى أحداث 18و19 يناير عام 1977 أو ما أطلق عليه "انتفاضة الحرامية".. عندما خرجت تجمعات تخللها أعمال شغب وتخريب في البلاد اعتراضا على رفع الدعم عن بعض
السلع الغذائية،.. وبذكاء وحكمة القائد  استشعر بطل الحرب والسلام ما يحاك من مؤامرات..  فتراجع عن قراره في الوقت الصح  رافعًا شعار "حماية البلاد أهم".. وهو موقف ليس بجديد على السادات الذي سبق وقرأ عن بعد الموقف الأمريكي بعد نصر حرب أكتوبر المجيد، فوافق على وقف إطلاق النار، ونحن في موقف قوة كي يحافظ على ما حققناه من انتصارات، فأصبحت خطته الإستراتيجية في خداع العدو أحد الدروس الأساسية بجميع معاهد العالم العسكرية حتى هذا اليوم..



وإذا كانت النجاحات السياسية تعتمد على درجة قياس المسافة بين صناعة القرار وما يترتب عليه من تبعات، والقائد القوي هو من يجيد الوقت المناسب  للمواجهة.. التجاهل.. وأحيانًا التراجع، فمن باب أولى أن نتعلم أنا وأنت ونحن أن تغير مواقفنا من أجل الحفاظ على علاقة زواج، حب، صداقة، أو حتى عمل هي قمة القوة وليست ضعف كما يتوهم البعض!



فالرجل الحقيقي هو الذي يؤمن أنه وجد في هذا الكون ليحتوي حبيبته بمزاياها، عيوبها، غضبها، ظنونها، أو حتى انفعالاتها غير المبررة.. ومقدار قوته تكشفه ريشته العشقية المرسومة على ملامح وجهها.. فلو كانت بشرتها نضرة، وعلى شفتيها ابتسامة لا تفارقها، وبين مقلتيها لمعة عشق لا تنطفئ.. فهذا يعني أنها مرتبطة بربان ماهر يجيد توجيه دفة سفينة الحياة.. أما لو طغت الخطوط الطولية والعرضية جبهتها، وغطت الدوائر السوداء عينيها، فذلك أصدق دليل على ضعف رجل عمرها والذي فشل في إسعادها متمسكًا بمفاهيم رجولة مغلوطة!



والمرأة التي تستحق الحب عن حق هي من تجيد لغة المشاعر بكافة تفاصيلها وهوامشها،.. متى تسامح  وتتجاوز عن الهفوة، الجفوة، أو حتى الغلطة.. والوقت المناسب لتلوم وتعاتب،.. كما أنها تدرك جيدًا مقدار قيمتها، فتحدد الخطأ الذي لا يغتفر.. وبكل ما أوتيت من عزم تلملم كرامتها المتبعثرة على أرضية قلب لم يحافظ على أحاسيسها وتفر بالمتبقي منها قبل فوات الأوان..



وبعد،..أعتقد أننا جميعًا بحاجة لإتقان فنون الصمت، الحديث، والتراجع عند اتخاذ القرارات في علاقاتنا الإنسانية، كمجتمع عانى دومًا من عقدة الضعف فأتخذ من العناد وسيلة دفاعية لإثبات قوة زائفة .. ليتنا نعيد حساباتنا الوجدانية في التعامل مع الآخرين..حينها فقط، نتعافى من كافة خيباتنا العاطفية والعملية، ونتجنب الوقوع في مشاكل ليس لها داعي ..    

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط