الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: تجارة الرويبضة بالدين والمصلحة العامة

صدى البلد

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت"، قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى"  دليل على أن الجملة الواردة هي من مأثور كلام الأنبياء السابقين من غير تحديد وذِكرٍ لنبي معين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أيدها بالوحي المصدق، وهذا هو الأمر الأول،  أما ثاني الأمرين ففي قوله:  ( إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت) وهذا محور حديثنا.
فقد قال أهل العلم في تفسيرها: أنه ليس على سبيل الأمر وإنما هو على سبيل الذم والنهي عنه، وهو أمر بمعنى التهديد والوعيد، وله نظير في القرآن الكريم، كقوله تعالى: { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.  والمعنى إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت والله مجازيك على فعلتك.

وصدق السلف الصالح عندما قالوا:  لو لم يكن لنا ذنوبٌ نخافُ على أنفسنا منها إلا حب الدنيا لخشينا منها على أنفسنا . 

رغم ذلك، لا يمكن لأحد الاعتراض على حق كل إنسان في الكسب الحلال بأي وسيلة كانت، ولكن عندما يختلط حب الدنيا وزينتها بالقيام برسالة الدعوة يحدث التغيير في شكل ومضمون الدعوة والدعاة، كما يحدث الآن من إساءة للدعوة؛ بسبب الدخلاء غير المؤهلين لممارسة هذا العمل - الذين تركوا على وجهها النظيف دخانًا شوه صورة الدعوة ورجالها في أعين العامة، فأسوأ ما في هذه التجارة أنها تفقد الناس ثقتهم بدينهم وتزعزع إيمانهم به، وتحطم المقدسات في نفوسهم وضمائرهم؛ بسبب تلك النماذج الفاسدة التي لا تتورع عن استخدام الدين لتحقيق مآرب شخصية من شأنها أن تُخرج الدِّين عن وظائفه الحقيقية.

كما يحدث من بعض المنتفعين والمهمشين الباحثين لأنفسهم عن مكان بين أهل العلم والمعرفة، فاستخدموا الدين ستارًا، ولم يخجلوا من ادعاء المشيخة؛ لكسب ثقة الناس والتربح من خلفهم بطريقة أو بأخرى في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، لكنها في النهاية تجارة خاسرة، ولابد لمن يتخذونها مهنة لكسب المال أن ينكشفوا ويفُضح أمرهم؛ لأن الدين ليس سلعة أو وسيلة لتحصيل حطام الدنيا الفاني، ولن تأتيك القيمة بين الناس بالتظاهر بالصلاح وداخلك يموج بفساد الجاهلية، تمامًا كالذين يتظاهرون بالسعي في الخير والمصلحة العامة، وقلوبهم تلهث خلف المصلحة الشخصية، فيظهروا بلباسٍ وأقوالٍ تتناقض مع أفعالهم دون حياء.

الحياء ذلك الخلق الذي يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من الصفات المحمودة، وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في حديث رسول الله ﷺ :  « إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء » رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

وهو نوعان من حيث المصدر: الأول: حياء يخلقه الله ويوجده في العبد بحيث ينشأ من الصغر متصفًا به فيجتنب القبيح ويفعل الحسن بلا تكلف وهو قليل في الناس.

والثاني: حياء مكتسب، يتخلق المرء به ويكتسبه بالتعلم والتربية ولم يكن من خلقه، وهذا حال كثير من الناس لم يعرفوا بالحياء في نشأتهم ثم تعرفوا عليه وربوا أنفسهم ودربوها عليه حتى تخلقوا به وصار جزءًا من شخصيته.

وقديمًا قيل : 
إذا لم تَخْش عاقبة الليالي ... ولم تَستحِ فاصنع ما تَشاء 
فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء 
يعيش المرء ما استحيا بِخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاء.

الحديث في هذا الموضوع قد يطول، ولكن سنكتفي بما أردت قوله، فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمن نفسي.