الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.علاء علي يكتب: الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي.. والثماني دعائم

صدى البلد

في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي حدثت بنهايات عام 2007، ازداد الاهتمام الدولي في تحقيق الشمول المالي من خلال ايجاد التزام واسع لدى الجهات الرسمية لتحقيق الشمول المالي وتنفيذ سياسات يتم من خلالها تعزيز وتسهيل وصول واستخدام كافة فئات المجتمع للخدمات والمنتجات المالية وتمكينهم من استخدامها بالشكل الصحيح، بالإضافة إلى توفير خدمات مالية متنوعة ومبتكرة بتكاليف منخفضة من خلال مزودي هذه الخدمات، ووفقا لذلك أصبح من الضروري العمل على إصدار سياسات وتشريعات تتناسب مع المخاطر المتعلقة بالخدمات المالية المبتكرة، بحيث تكون مبنية على أسس سد الفجوة والشمولية في التشريعات الحالية واتباع نهج شامل مبني على تشريعات عادلة وشفافة لحماية حقوق مستهلكي الخدمات المالية، وذلك بما يشمل ضمان الشفافية في تسعير الخدمات المالية وتوفير آلية لمعالجة شكاوى العملاء وتحديد الجهة الإشرافية المسؤولة عن حماية حقوق مستهلكي الخدمات المالية.


ويهدف ذلك كله إلى تعزيز قدراتهم ووعيهم لتمكينهم من الاستفادة المثلى من الخدمات المالية واتخاذ القرار المالي الذي يتناسب مع احتياجاتهم، حيث يتم التنفيذ ضمن إطار عملي يتناسب مع ظروف الدولة استنادا إلى المعايير والممارسات الدولية الفضلى ذات العلاقة بهذا الشأن، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس هناك نموذج يلائم جميع الدول أو ان تكون هناك استراتيجية واحدة للشمول المالي يمكن تعميمها علي كافة الدول ، ولذلك  فقد أكدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) على قيام كل دولة بمراعاة خصوصيتها والظروف المحلية ودرجة الوعي المالي المتوفر لدى مواطنيها ودرجة التطور في القطاع المالي عند بناء الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي الخاصة بها.


ولعل إتاحة امكانية ومجانية فتح حسابات بنكية الافراد تمكنهم من اجراء أية معاملات ماليه لهم  هو الخطوة الأولى للشمول المالي بشكل أوسع لأن الحساب البنكي يسمح للافراد بادخار المال، وإرسال المدفوعات واستلامها، كما أن الحساب البنكي قد يكون بمثابة بوابة لخدمات مالية أخرى، ولعل  ضمان وصول الافراد في جميع أنحاء العالم إلى امتلاك حساب بنكي هو محور مبادرة البنك الدولي للشمول المالي، كما يسهّل توفير الخدمات المالية أمور الحياة اليومية، ويساعد العائلات والشركات على التخطيط لكل شيء من الأهداف طويلة الأجل إلى حالات الطوارئ غير المتوقعة. وبوصفهم أصحاب حسابات، فمن المرجح أن يستخدم الناس خدمات مالية أخرى، مثل الائتمان والتأمين ، لبدء الأعمال التجارية وتوسيعها، والاستثمار في التعليم أو الصحة، وإدارة المخاطر، ومواجهة الصدمات المالية، وهو ما يمكن أن يحسن حياتهم بشكل عام، ومنذ عام 2010 قررت أكثر من 55 دولة تحقيق الشمول المالي، وقامت أكثر من 30 دولة بإطلاق أو إعداد استراتيجية وطنية للشمول المالي، مما استلزم ضرورة توافر بيئة تنظيمية وسياسية مواتية، وإجراءات ولوائح تنظيمية مناسبة لحماية المستهلك لضمان توفير الخدمات المالية بشكل يتسم بالمسؤولية، ولاشك ان التكنولوجيا المالية الرقمية، ولاسيما انتشار الهواتف المحمولة على مستوى العالم، ساعد في توسيع نطاق الحصول على  الخدمات المالية بالنسبة للسكان الذين يصعب الوصول إليهم بتكلفة ومخاطر منخفضة.


وبالنسبة لمصر وهي في إطار توجهها نحو إنشاء استراتيجية وطنية للشمول المالي ، فإنه كانت هناك رؤية للبنك المركزي المصري للتحول إلى مجتمع أقل اعتمادًا على أوراق النقد، تأتي بالتكامل مع قرارات المجلس القومي للمدفوعات، برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي؛ حيث تم توفير البيئة التشريعية المناسبة لتفعيل هذه الرؤية، من خلال إصدار عديد من القوانين والقواعد، أبرزها قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، بجانب نشر الوعي والثقافة المالية بين المواطنين.


إن رؤية البنك المركزي للتحول إلى مجتمع أقل اعتمادًا على أوراق النقد، تأتي بالتكامل مع قرارات المجلس القومي للمدفوعات، برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي؛ حيث تم توفير البيئة التشريعية المناسبة لتفعيل هذه الرؤية، من خلال إصدار عديد من القوانين والقواعد، أبرزها قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، بجانب نشر الوعي والثقافة المالية بين المواطنين، هذا بالإضافة إلي  إنشاء البنك المركزي المختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة «Regulatory Sandbox» الذي يقوم بدور مهم في تشجيع إطلاق هذه التطبيقات بالسوق المصرية، مع مراعاة متطلبات الحفاظ على سلامة واستقرار النظام المالي، كما أن توفر البنية التحتية القوية لمصر في نظم وخدمات الدفع، ساعد على  التعجيل من تفعيل استراتيجية مصر نحو الشمول المالي بسرعة وفاعلية، ولعل ما  حدث في إطار مواجهة ازمة كورونا  من خلال الإجراءات والتدابير الاحترازية التي أصدرها البنك المركزي، ومنها إلغاء جميع الرسوم والعمولات لمدة 6 أشهر على عمليات السحب النقدي والشراء بواسطة البطاقات، وإتاحة الاشتراك في خدمتي محافظ الهاتف المحمول والإنترنت البنكي إلكترونيًا، دون الحاجة للذهاب لمقر البنك، كان بمثابة تأكيد قوي علي نجاح الدولة المصرية في رؤيتها الوطنية نحو تفعيل الشمول المالي، ولتحقيق أهداف الشمول المالي والتحول الرقمي، قامت البنوك المصرية بضخ مزيد من التمويلات بأسعار فائدة مدعمة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والتي نتجت عنها زيادة تبلغ 213 مليار جنيه (13.7 مليار دولار) في حجم محافظ البنوك الموجهة لهذه المشروعات، استفاد منها مليون و81 ألف مشروع، من ديسمبر  2015 حتى سبتمبر  2020، بجانب إطلاق مبادرة «رواد النيل» لتوفير بنية تحتية شاملة وفعالة لدعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة، بدءًا من الفكرة وحتى تأسيس الشركة والنمو والتوسع وكذلك تشجيع الابتكار.


ولعل من أهم عوامل نجاح اي استراتيجية وطنية للشمول المالي ان تعتمد علي ثماني دعائم تنبثق منها نقطة انطلاقها وهي:-
أولا- تفعيل الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، حيث  يشكل تقديم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول أداة هامة ومحورية لتفعيل الشمول المالي، ويعزى نجاح هذا النموذج إلى جاذبية عرض القيمة بالنسبة للمستخدمين، ولا سيما بالنسبة للأسر الأقل دخلا ، وذلك من خلال إتاحة جاذبية عالية وبساطة الخدمات وطرق استخدامها، وتنافسية في السعر، وشروطا أقل تقييدا من تلك الخاصة بالحسابات البنكية.

ثانيا:- التأمين الشمولي:- حيث شهد نشاط سوق التأمين التقليدي خلال العقد الماضي نموا قويا بحكم توسيع نطاق التغطية وتنويع عرض المنتجات والخدمات، لا سيما في سياق المنافسه مع القطاع البنكي- غير أنه لا تزال هناك شريحة كبيرة من المواطنين في العديد من الدول مقصاة من عروض وفرص التأمين لأسباب تتعلق بالقناعات الدينية أو الهشاشة المالية أو عدم ملاءمة العروض التأمنيه المقدمة لهم، مما يتطلب تعزيز تطوير التأمين الشمولي من خلال ربطه بخدمات أخرى كالخدمات البنكية عبر الهاتف المحمول، والقروض الصغيره والمتوسطه لجعله محفزا مهما لنمو النشاط في القطاعات الاقتصادية وتعزيز قدرة تحمل الأسر، ولا سيما الأكثر فقرا، مما يستلزم تفعيل وتطوير القوانين التنظيمية لإدراج مفهوم التأمين الأصغر وتحفيز الطلب من خلال زيادة الوعي للفئات المستهدفة وتوعيتها بمخاطر وتقلبات الحياة اليومية.

ثالثا:- العروض البنكية: فقد بذلت البنوك خلال السنوات الأخيرة جهودا مكثفة لزيادة قاعدة عملائها، وخاصة العملاء ذوي الدخول المنخفضة، وهو ما يستلزم ان تقدم البنوك عروضا أكثر جاذبية للعملاء، وكذلك تحديد وتحليل العوائق التي تحول دون وصول الخدمات البنكية للفئات المستهدفة.

رابعا:- تقديم الدعم المادي التام للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر: حيث تم خلال السنوات الأخيرة تطوير العديد من الآليات لتسهيل تقديم التمويل الكافي والدعم المادي القوي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز آليات تقديم الضمانات الماليه، وتطوير طرق التمويل، وتقديم طرق تمويل جديدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحتل القروض الصغرى مكانة قوية وفاعلة في دعم النظام المالي لاي دولة وتشكل داعما قويا لإنجاح الشمول المالي بحكم الدور الذي تضطلع به في محاربة الفقر وتعزيز اندماج الفئات الأقل دخلا في النظام المالي، مما يكون له بالغ الاكثر في إنجاح الشمول المالي ودعمه من خلال تشجيع خلق أنشطة مدرة للدخل وبالتالي خلق فرص عمل، وخلق حاله من التشغيل الاقتصادى، وهو مايستلزم توسيع نطاق القروض الصغرى من خلال إصلاح إطارها القانوني، واعتماد حوافز ضريبية مهمة لصالح الجهات الفاعلة فيه، وتطوير وتنويع الموارد المالية المعبأة لصالحها وتعزيز إطار الإشراف الخاص بها.

خامسا:- تغيير ثقافة الكاش: حيث تهدف إزالة الطابع المادي للمدفوعات إلى ضمان أمن المعاملات الماليه للأسر والافراد، والادماج التدريجي للسكان في الدوائر المهيكلة وإمكانية تتبع العمليات الماليه لهم، وعلاوة على ذلك تعد إزالة الطابع المادي أيضا عاملا قويا في الشمول المالي نظرا لدوره الرئيسي في تعزيز استخدام خدمات مالية مهيكلة.

سادسا:- التنشئة المالية:- ويعني ذلك ان يتم التمهيد مبكرا للشمول المالي ، إلي ان يتحول ليصبح نمط واسلوب حياة للمواطنين ، وهو ما يعني ان تقوم الحكومات بإدراج الافراد منذ لحظة ميلادهم في الشمول المالي لكافة تعاملاتهم الحياتية بكافة أنماطها.

سابعا:- قيادة استراتيجية الشمول المالي:-  وهو ما يعني ضرورة ان تولي قيادة الاستراتيجية اهتماما خاصا للمتابعة والتقييم لضمان تعميم خارطة الطريق في الآجال المحددة وإبلاغ صناع السياسات بنقاط الاهتمام والتعديلات التي يتعين اعتمادها في الوقت المناسب.

ثامنا:- توفير البنية التكنولوجية المتطورة: حيث يعتبر توافر بنية وبيئة تكنولوجية متقدمة ومتطورة شرطا ضروريا وعاما لتفعيل وتعجيل التحول السريع صوب الشمول المالي، وذلك علي اعتبار أن الشمول المالي يمثل أحد أهم الأركان الرئيسيه والدعائم القوية للانطلاق نحو شمول مالي متكامل.

وفي مصر وفي إطار التوجه نحو وضع وتأسيس استراتيجية ورويه وطنية للشمول المالي،تم عمل بحث أولى عن 10 مجموعات من المستهلكين بالقاهرة ومناطق أخرى، بجانب لقاءات مع 30 من الجهات الفاعلة فى منظومة التكنولوجيا المالية فى مصر، لمعرفة متطلبات السوق وتطلعات أصحاب المصلحة، والتواصل مع الفئات غير المدمجة ماليًا والشركات الصغيرة والمتوسطة فى مختلف المناطق، بجانب ذلك درس البنك المركزى التجربة فى 8 أسواق دولية هى “البرازيل، والمملكة المتحدة، وكينيا، والهند، والصين، والفلبين، وسنغافورة، ومرت استراتيجية التكنولوجيا المالية بثلاثة محاور أساسية لإعدادها هى تقييم النظام الحالى للتكنولوجيا المالية ومعرفة أبرز معوقاته فى مصر ثم تطوير محاور الاستراتيجية، وأخيرًا وضع خارطة طريق لتنفيذها، ويأتي التنفيذ من خلال منهجية تقوم على 5 محاور أساسية هى الطلب والتمويل والتشريعات والموهبة والحوكمة.

 
ويأتي من اكثر الاسباب تأكيدا واستشراقا علي نجاح مصر في تجربتها نحو تأسيس رؤية وطنية للشمول المالي هو أن مصر لديها فرص قوية فى تحقيق الاستراتيجية استنادًا إلى عدد من المحفزات، وتضم 26% من عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 100 مليون نسمة، كما أن 44% من السكان يستخدمون شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” و93% لديهم هواتف ذكية، بينما مازالت نسبة غير المتعاملين مع القطاع المالى مرتفعة وتصل إلى 67%، لافتًا إلى أن الجامعات تضم 3.1 مليون طالب ويوجد فى مصر 18 مسرعة وحاضنة أعمال تهتم بالتكنولوجيا المالية وتقنية المعلومات، كما ان محور الطلب فى مصر مدفوع باحتياجات المستهلكين الأفراد، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والشركات والمؤسسات المالية، واستعدادهم لتبنى التكنولوجيا المالية، لاسيما أن مصر أكبر سوق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يستحوذ على 26% من السكان، إلى جانب موقعها الجغرافى المتميز، مؤكدة أن مصر تمتلك فرصا قوية للنمو لتصبح ذات ريادة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية على مستوى المنطقة، عن طريق معالجة الأمية المالية وتعزيز لمعرفة والثقة فى الخدمات المالية، كما انه من الضرورى تطوير مناهج مناسبة تجمع بين التكنولوجيا والأعمال ، من خلال الشراكات بين العمل الأكاديمى والقطاع الخاص ومراكز التدريب.


وأخيرا ، فإن التكنولوجيا المالية خلال الأعوام الماضية أصبحت قوة رئيسية فى القطاعات المالية، وتحويل الأموال على مستوى العالم، بظهور العديد من التطبيقات والابتكارات التجارية الجديدة، حيث وصل إجمالى ما تم استثماره فى 5 أعوام الماضية 160 مليار دولار وفقا للتقديرات، بينما من المقرر أن تصل الإيرادات من القطاع إلى 260 مليار دولار فى 2025 .