الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ


يعتقد البعض أن النبي يوسف عليه السلام قد جعل من عزيز مصر ربا له عندما قال: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف 23.


وكلمة رب تكررت كثيرًا في سورة يوسف وجاءت بمعنيين، الأول هو الله تعالى، والثاني هو الآلهة المعبودة وقتها ومنها الملك.


وتبدأ القصة بحكاية الطفل يوسف لرؤياه الى أبيه النبي يعقوب عليه السلام، وكان من ضمن رد أبيه: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يوسف6، (ربُّك) تكررت مرتين بمعنى الله تعالى.


وحين راودته امرأة العزيز: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف 23، (رَبِّي) أي الله، لأنه تعالى لا يفلح عنده الظالمون، وجاء التأكيد على المعنى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف 24.


وتسابقا إلى الباب هو ليهرب منها وهى لتلحق به: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) يوسف 25، فوجدا (سَيِّدَهَا) أي سيد المرأة، وليس سيدًا للنبي يوسف عليه السلام، ولذلك عندما قال: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، كان النبي يوسف عليه السلام يعني بكلمة (رَبِّي) أنه الله تعالى.


ثم هددته امرأة العزيز بالسجن ورد النبي يوسف عليه السلام: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ..) يوسف 33، واستجاب له تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يوسف 34.


ودخل معه السجن سجينان، رأى كل منهما حلمًا، وقبل أن يفسر لهما الرؤيا دعاهما الى عبادة الله: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) يوسف 39.


وعن لقاء النبي يوسف عليه السلام بأبويه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف 100، تكررت كلمة (رَبِّي) مرتين.


في النهاية جاء دعاء النبي يوسف عليه السلام متضمنًا شكرًا واعترافًا بنعم الله عليه: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف 101.


وقد قال البعض أنه كان شائعًا في العصور القديمة اطلاق صفة الرب على الحاكم أو على صاحب البيت، إلا أن هذا الكلام لا ينطبق على الأنبياء، لأنه لا يمكن لأي نبي من الأنبياء أن يتكلم عن رب غير الله تعالى، لأن دعوة كل نبي أنه إله إلا الله، وهذا في مواجهة الذين يتخذون أربابًا مع الله تعالى، والنبي يوسف عليه السلام كان على نفس منهج الأنبياء.


كل ما سبق يؤكد أن النبي يوسف عليه السلام  والذى عاش في بيت عزيز مصر، لم يكن يتكلم عن العزيز باعتباره ربه عندما قال: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، فالنبي يوسف عليه السلام عندما تكلم عن ربه فإنه لم يكن يعني أن الرب هو عزيز مصر، وانما كان يعني أن الرب هو الله تعالى فقط.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط