الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مأساة سارة واختطاف أطفال الشقاق


قلنا ألف مرة إن قوانين الأسرة فى مصر لن تفلح دون فلسفة تشريعية تعتمد مبدأ الرعاية المشتركة والمعايشة للطفل بين الأبوين وعائلتيهما ولو بعد الطلاق، وهو حق له وليس للأبوين وحدهما وذويهما على القانون أن يضع القاضي مدافعا عنه ضد أي مخالف أو جائر عليه، كما وضعه مدافعا عن حقه فى النفقة وغيرها من التزامات مالية.

شهدنا العديد من القضايا التى نجد فيها نساء حاضنات، وأنا هنا ضد مصطلح "الحضانة" تماما ونظام ترتيبها، يشكون حرمانهن من أطفالهن الذين ابتعدوا عنهن بفعل "الإخفاء" وجريمة الامتناع عن إعادة تسليمهم لهن من قبل آباء كانوا برفقتهم يوما ما، لكنها المرة الأولى التى أتلقى فيها شكوى أم مغلوبة على أمرها فى واقعة تفضح عوارا اجتماعيا وقصورا مهنيا فى التعامل مع جريمة يصفها لنا خبراء محترمون على خلاف اعتقاد ضحية الأزمة.

نفهم ونؤكد أن قانونا جائرا حرم طرفا غير حاضن، الرجل فى أغلب الحالات، من رعاية أطفاله، وفى هذا ندين تشريعا مخالفا للدستور والشريعة والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التى صدقت عليها مصر، ونتوقف بآراء متباينة عند مواقف بعضهم ممن انتزعوا أطفالهم بالقوة من أحضان أمهاتهم فباتوا محرومين من أحد الأبوين ليعيشوا فى جانب واحد وتتكرر المأساة بشكل مختلف، وهنا تجد العقوبة القانونية بسيطة عن جريمة الامتناع عن تسليم الصغير التى توجه للطرف غير الحاضن، الأب غالبا.

فى مأساة سارة، سيدة شابة من الإسكندرية وأم لطفلين توأم فى الصف الأول الابتدائي، وقد راسلتنى بتفاصيلها المؤيدة بمستندات وقرارات قضائية، نجد الأب بعيدا عن المشهد بعد وقوع الطلاق، وخلال فترة غياب تولى فيها أبوها الإنفاق على طفليها حتى وفاته مؤخرا، لم تمتنع هى عن وصولهما لأهل الأب، الجدة والعم الذي لا ينجب وقد تجاوز الأربعين ببضع سنوات حسب روايتها، وفى المرة الأخيرة غاب بهما واختفى وغيّر محل إقامته.

لم تفلح إجراءات خط نجدة الطفل ولم تكتمل جهود محاميه فى محافظتها لأجل الوصول إلى طفليها، والكلام لسارة، ولم يوجهها محام خاص إلى غير طريق المحامي العام للحصول على قرار تسليم صغيرين ضد مطلقها المسافر خارج البلاد، وهما فعليا بحوزة العم الذي تسلمهما من الأم، ولم يكن بيدها سوى استصدار قرار لمنعهما من السفر خاصة وأنه متزوج من أمريكية، كما لم ينفع قرار قاضي الأمور الوقتية منحها الولاية التعليمية فى ضمان انتظام حصول صغيريها على حقهما فى التعليم بمدرستهما.

عند سؤالي للصديق المحترم المحامي بالنقض محمود البدوي أفاد بأن حالة العم لا تنطبق عليها عقوبة الامتناع عن تسليم الصغير وقد صدر قرار تسليمهما ضد الأب المسافر، وأنه ليس طرفا فى علاقة الحضانة حتى يلجأ محامون لملاحقته بهذه الصيغة الإجرائية، وعندما طالعت المادة  ٢٨٩ من قانون العقوبات كانت المفاجأة لي والتى تجعلني أتساءل عن جدوي اللجوء لمحامين لا يستكملون أو يسلكون مسارا قانونيا سليما وواضحا ضد مخالفين، ويجعلون قضايا موكليهم أكثر إطالة فى مكاتبهم والمحاكم، وهو أمر يترتب عليه استنزافهم ماديا بالتأكيد، حتى تصل "سارة" ومثيلاتها وأمثالهم من صاحبات وأصحاب الحقوق لدرجة العجز عن الوفاء بأتعاب محامين وبالتالي الرضوخ لقوة الأمر الواقع الذي يفرضه قادرون على التأثير فى حالة اللاقانون.

يقول نص المادة "كل من خطف من غير تحيل ولا إكراه طفلًا، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات. فإذا كان الخطف مصحوبًا بطلب فدية، فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ولا تزيد على عشرين سنة".

ومع هذا الوضوح لما تحمله من عقوبات يفترض قانونيون أن غير الأب هنا تنطبق عليه عقوبة أشد عن جريمة مختلفة تماما عن الامتناع عن تسليم الصغير، وهى عقوبة السجن عن جريمة الخطف، ولا أعتقد أن ثبوتها بحق شخص بعينه تكون مهمة الشاكية نفسها، فقد ينجح من استحوذ على الطفلين بالتحايل والخديعة فى تغيير مكانهما ليكونا لدى طرف آخر، وعليه تسقط الشاكية فى فخ البلاغ الكاذب بحقه فيلاحقها بالتعويض، وهكذا لا تنتهى أزمات مجتمع لقصور تشريعي أو تراخ فى أداء تنفيذي.

 "مأساة سارة" تتزايد إذا ما علمت أنها سارت فى الحياة بلا سند أو أمل، فبعدما طلقت قبل نحو عامين دون حصولها على أي من حقوقها وطفليها المادية، وغيب الموت عائلها الوحيد وهو أبوها،  غيب أيضا الاستقواء بفرض الأمر الواقع وقانون القوة طفليها عنها فى سن السابعة، وكم هى قسوة قوة فرض الأمر الواقع على طفلين باتا محرومين من رعاية أمهما التى لا تعرف لهما عنوانا، ومن أبيهما المسافر للخارج، بينما المستمتع الوحيد بهما شخص خارج علاقة الزواج تماما.

فلا إجراءات قانونية قاطعة يلجأ إليها محامون لينهوا أزمتها ويستعيدوا لها حقها فى أمومتها، ولا محاضر رسمية تحفظ بعد فترة تفيد فى استعادة شعور الطفلين بوجود أحد الأبوين فى حياتهما فعليا على الأقل بعد سفر أبيهما، وكأن يتيمين جديدين كتب عليهما الحرمان من أبوين على قيد الحياة، فى وقائع تشبه قضية أبناء الآباء الأرامل.

لو أن "سارة" فى موقف قاطعة الأرحام العنيدة المبتزة المستغلة لقانون مرفوض مجتمعيا يعتمد فكرة غياب الطرف غير الحاضن وعائلته عن حياة طفل الشقاق، لن تجد تعاطفا كبيرا من كثيرين خاصة إذا كان المنفرد بهما فى مخالفة صريحة للقانون الجائر نفسه هو الأب، لكن رواية تؤكد أنها كانت تصل رحم الطفلين لدى أهلية أبيهما ولا تمنع وجودهما بينهم ولا تسخر منهم بطلب رؤيتهم لهما داخل مراكز رؤية غير آدمية نهاجمها جميعا، فلن تجد أحدا داعما لقضيتها، وأشد ما نتحفظ عليه هنا أن غير والدهما صار طرفا فى قضية لا ناقة له فيها ولا جمل، ولأسباب لا يعرفها سواه، وله حق الرد والتعقيب وإن كنا لم نذكر هويته.

رفقا بأطفال لا طاقة لهم ونساء لا قوة يملكنها ومجتمع تنهار قيمه وتسود علاقاته البطش والتنكيل فى حيز مشروع الزواج والطلاق، وعلى المشرع ألا يتعامل مع قضية مشروع قانون الأحوال الشخصية بالقطعة أو سياسة التجزئة، فلا سبيل لاستعادة أمن وطن يعاني شقاقا مجتمعيا فى هذا الملف إلا بتصور جديد خارج صندوق الأفكار البالية التى انتهت بكثيرين إلى هذا الحال.

وأخيرا نقدر كل محام لا تبتعد عن قلبه الرحمة وعن ضميره الإنسانية حينما يتطوع للدفاع عن حقوق مستضعفين مثل "سارة" وطفليها دون أعباء مادية لا يطيقونها، وقد أثبتت حالات كثيرة فشل وصورية الدعم القانوني لضحايا فى وقائع تهتم بها مجالس ومنظمات فقط بغرض الشو الإعلامي، ثم تهملها لجانها القانونية وتضيع حقوق أصحابها، رغم أن عملها تطوعيا وأجور القائمين عليها مصدرها أموال عمومية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط