الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: ســــــيوة

صدى البلد

عندما قال جبران خليل جبران: هل افترشت العشب ليلًا، وتلحفت الفضاء... زاهدًا فيما سيأتي، ناسيًا ما قد مضى.

لا بد أنه قد قالها في مكان يشبه "ســـــيوة" تلك الواحة الغَنَّاء التي تزين صحراء مصر الغربية.

لقد زرت بلادًا عِدة في شرق الكرة الأرضية وغربها ورأيت الكثير من الأماكن الخلّابة والطبيعة الساحرة، ولكنني لم أكن أتخيل أن واحة "ســــيوة" بهذا الجمال وتلك الطبيعة التي حباها الله بها، فليس من سمع كمن رأى...

بُعد المسافة بين القاهرة التي أقطنها وتلك الواحة الجميلة التي توجد في صحراء مصر الغربية كان دائمًا حائلًا بيني وبين اتخاذ قرار الذهاب إليها لعدم توافر رحلات طيران داخلية لها كشرم الشيخ والغردقة أو الأقصر وأسوان وغيرها من المدن السياحية التي يقصدها الكثيرون، فكان لا بد لاتخاذ هذا القرار من مُحفز قوي يستطيع اقناعي بتكبد معاناة ركوب سيارة لثمان ساعات متصلة على الأقل للوصول إليها، وهذا ما يُحسب لأصدقائي الذين استطاعوا فعل ذلك بعد الكثير من النقاش وتذليل كل الصعاب لاصطحابي معهم في تلك الرحلة.

والآن وبعد تلك الرحلة أستطيع الاعتراف لأصدقائي بأنهم كانوا على حق وبأن كل ما رووه عن "ســـيوة" وسحرها كان أقل بكثير مما فيها ومما يمكن الإحساس به حين يتمكن الإنسان من العودة إلى أصول الطبيعة بعيدًا عن صخب المدن وصراعات الحياة اليومية تاركًا كل وسائل التكنولوجيا الحديثة من تليفون إلى تليفزيون إلى حتى كهرباء سابحًا في زورق من صنع الطبيعة بين نخيل ومياه ورمال وسماء.

 

في "ســــيوة" تستطيع أن ترى السماء بشكل مختلف ليلًا ونهارًا، ففي الليل يمكنك رؤية أعداد من النجوم ربما بل من المؤكد أنك لم ترها من قبل، وفي النهار يمكنك رؤية ألوان السماء الحقيقية دون ملوثات مما يعيد برمجة مفهوم الألوان لديك.

يمكنك اكتشاف المعنى الحقيقي للصحراء بما فيها من سحر وهدوء وجمال سيّما إذا تقاطعت مع البحيرات والجبال والنخيل تحت السماء الزرقاء.

يمكنك أن ترى وتعيش تجربة اكتشاف باطن الأرض حينما تحنو على الإنسان بضخ المياه الدافئة من جوفها إلى سطحها دون مضخات محافظةً على درجة حرارتها في برد الشتاء مما يمكنك من ورودها ونزولها في أي وقت مستمتعًا بسخونتها وما بها من كبريت، إنها عيون المياه الدافئة والساخنة، في الوقت نفسه وليس ببعيد تجد تلك العيون التي تضخ المياه الباردة التي تتدفق دون مواتير، وقد توجد تلك العيون الدافئة والباردة العذبة داخل البحيرات المالحة مما يجعلك ترى قدرة الله اللا محدودة في تلك المكان.

لم تخلُ تلك الواحة الساحرة من بعض الآثار القديمة التي تعود لعصور سحيقة من التاريخ الإنساني دليلًا على اكتشاف الإنسان منذ فجر التاريخ لهذه الأماكن البديعة...

لا شك أن الكثير من التطوير قد طال هذا المكان لتذليل الحركة والعيش والسياحة، لكن مازال الكثير الذي يجب أن يحدث حتى يمكن الاستفادة من هذه الكنوز لا سيّما أنها تفوق الكثير والكثير من المقاصد السياحية العالمية التي يتم الترويج لها وتقديم الخدمات لجذب السياح لها من شتى ربوع المعمورة، في حين أن ما في "ســـــيوة" من جمال وثراء سياحي لا يضاهيه جمال في أي مكان مماثل في العالم بالإضافة إلى طيبة وكرم أهلها وطبيعتهم البسيطة التي تأسر قلوب من يأتي إليهم.

إن مياه "ســـيوة" الكبريتية ورمالها الاستشفائية وملحها الغَني الذي يستخرج من ملّاحاتها بالإضافة إلى الزيتون والتمور تزيدها ثراءً على عبقرية المكان وطبيعة الطقس وسحر وجمال صحرائها تحت تلك السماء الصافية مما يجعل المكوث بها لفترة حلمًا لا يود الزائر أن ينتهي.

وتظل مصر بما فيها من تنوع واختلاف للأماكن والطقس والطبيعة مصدرًا للإلهام والفخر لكل من سار فيها وبحث عن الجمال، مصر التي كانت قبل أن تكون الدنيا، مصر التي صنعت بطبيعتها وموقعها وشعبها ما ألهم العالم جميعًا وعلّمه معنى الدولة.