الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حسناء رشيد


أحيانا يكون الجمال نقمة على صاحبته، وهذا ما حدث لأجمل بنات رشيد ، فكان لحسنها وجمالها الفائق سبب فى زيجة غير متكافئة تماما ، هى الفريدة فى تاريخ مصر حين تزوجت زبيدة البواب من الجنرال مينو صارى عسكر الحملة الفرنسية . ولهذه الزيجة ظروفها الخاصة والمعروفة لدى الجميع ، أما نهايتها فتضاربت الروايات حولها . 

بدأت المأساة عندما أراد الجنرال مينو حاكم رشيد وقت الحملة الفرنسية ، أن يتقرب من المصريين وفى الوقت نفسه يؤنس وحدته بطريقة يتقبلها أهل رشيد ، فأشار عليه طبيبه الخاص أن يتزوج مع ضرورة توافر شيئين عند الزواج ، الشرف والمال، وهذان لا يجتمعان إلا فى أسرة الشيخ إبراهيم  الجارم العريقة فى الشرف والعلم  أو أسرة السيد محمد البواب من أعيان رشيد . لكن الشيخ إبراهيم الجارم وهو من كبار علماء الدين وكانت له ابنتان، تورع عن هذه المصاهرة ، فأسرع فى تزويج ابنتيه من اثنين من طلابه ، فعلى الفور أرسل مينو لاستدعاء  محمد البواب طالبا الزواج من ابنته زبيدة وكانت أجمل بنات رشيد.  

كانت زبيدة متزوجة وهى فى عمر 18 سنة من سليم أغا نعمة الله من أثرياء المماليك ولكن لم يستمر زواجهما أكثر من عام، حيث وقع الطلاق ولم تنجب منه ابناء ،أما مينو فكان يكبرها بثلاثين عاما فكان عمره وقت الزواج 49 سنة.

أشهر مينو إسلامه قبل الزواج أمام القاضى الشرعى وسمى نفسه عبد الله جاك مينو، عقد الزواج فى وثيقة شرعية بتاريخ 25 رمضان سنة 1313 هجرية  وجاء توقيعه على الوثيقة عبد الله جاك مينو صارى عسكر القطر المصرى، وظلت الوثيقة محفوظة بمحكمة رشيد الشرعية لسنوات طويلة ثم نقلت إلى دار الوثائق القومية.

تضمنت الوثيقة تأكيدا على صدق إسلام مينو ونطقه الشهادتين، وأنه أظهر الحب للمسلمين، وبعد إسلامه سمى نفسه عبد الله ، تم الزواج  فى حضور "  العلامة السيد أحمد الخضرى المفتى الشافعى و الشيخ محمد صديق المفتى الحنبلى والسيد محمد المفتى المالكى ".

تظاهر مينو بتمسكه بالشعائر الإسلامية حتى إنه كان يؤدى صلاة التراويح فى شهر رمضان بمساجد رشيد.
وفى رسالة منه إلى نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية أخبره بهذه الزيجه قائلا: إن هذه الطريقة قد حببته إلى نفوس الأهالى . أنجبت زبيدة من زوجها مينو فى يناير سنة 1801م ولدا أسماه سليمان مراد ، واختار هذا الاسم لأنه يرجع إلى اسم سليمان الحلبى قاتل كليبر تملقا للمصريين ولكسب عواطفهم.

عاشت زبيدة مع زوجها فى رشيد عندما كان حاكما للمدينة وظلت بها بعد أن تولى القيادة العامة للجيش الفرنسى بعد مقتل كليبر، إلى أن احتلها الأتراك والإنجليز، فخرجت بصحبة أخيها من أمها على الحمامى وانتقل بها إلى الرحمانية، ولما احتلها الحلفاء ذهب بها إلى القاهرة فى منزل القائد العام ببيت الألفى بك بالأزبكية، ثم انتقلا إلى القلعة لتكون فى مأمن من الاضطرابات، وكان مينو فى ذلك الوقت بالإسكندرية محاصرا من الإنجليز.

أثناء الحصار ظهرت على مينو أعراض مرض الطاعون فاستدعى الجراح "لارى " لعلاجه والذى رافقه عند عودته إلى فرنسا على الفرقاطة الإنجليزية " ديانا " فى 18 أغسطس 1801م ، بينما  ظلت زبيدة بالقاهرة إلى أن وقع الجنرال الفرنسى بليار وكان حاكما للمدينة على شروط التسليم ، وتم جلاء الفرنسيين إلى الإسكندرية، فأذن لها قائد الجيش الإنجليزى الجنرال جون هيلى بالسفر إلى الإسكندرية للحاق بزوجها وسافرت وابنها مع جيش بليار العائد إلى فرنسا.  شفى مينو تماما عند وصوله إلى طولون. لكنه لم يعش طويلا بعد مغادرته مصر فقد توفى بعد إصابته بالحمى فى 13 أغسطس 1810م بالقرب من البندقية.

اختلفت آراء المؤرخين حول نهاية العلاقة بين زبيدة وزوجها مينو، فقال عبد الرحمن الرافعى: إن الجنرال الفرنسى اساء معاملة زوجته ثم هجرها عندما انتقل إلى تورينو بإيطاليا، واستبدلها براقصات اتخذهن خليلات، وتركها تعانى مشقة العيش إلى أن توفيت.

وذكر رفاعة الطهطاوى فى" تلخيص الإبريز فى تخليص باريز" أن البعض فى مرسيليا حكى له: أن سير عسكر مينو المتولى فى مصر بعد قتل الجنرال كليبر كان أسلم فى مصر نفاقا، كما هو الظاهر وتسمى عبد الله وتزوج ببنت شريف من أشراف رشيد، فلما  خرج الفرنسيس من مصر وأراد الرجوع أخذها معه، فلما وصل رجع إلى النصرانية وأبدل العمامة بالبرنيطة  ومكث مع زوجته وهى على دينها مدة أيام فلما ولدت، وأراد زوجها أن يعمد ولده ( الطفل الثانى ) على عادة النصارى لينصره، أبت الزوجة ذلك وقالت: لا أنصر ولدى أصلا، ولا أعرضه للدين الباطل. فقال لها الزوج: إن كل الأديان حق، وإن مآلها واحد وهو عمل الطيب، فلم ترض بذلك أبدا فقال لها:إن القرآن ناطق بذلك، وأنت مسلمة فعليك أن تصدقى بكتاب نبيل ، ثم أرسل بإحضار أعلم الإفرنج باللغة العربية" البارون دساس"  فإنه هو الذى يعرف يقرأ القرآن وقال لها: سليه عن ذلك فسألته فأجاب بقوله: إنه يوجد فى القرآن قوله تعالى: " إن الذين آمنوا و الذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فحجها بذلك ! فأذنت بمعمودية ولدها ثم بعد ذلك انتهى الأمر على ما قيل إنها تنصرت وماتت على ذلك.

وذكر محمد محمود زيتون فى كتابه إقليم البحيرة: أنه بعد جلاء الفرنسيين عن مصر 1801م ترك مينو زوجته زبيدة فى تورينو بإيطاليا واستمر فى مجونه وخلاعته مع الراقصات وهجر زبيدة إلى إن ماتت كمدا، وكأن إسلامه لم يكن غير ذر للرماد فى العيون.
أما ما يقوله مسئولو الآثار برشيد: عندما رحل مينو وزوجته زبيدة وابنهما إلى فرنسا،  فكانت إقامتهم فى مدينة تورينو بإيطاليا وبعدها عاشوا لفترة فى مدينة البندقية الإيطالية وفى سنة 1810 م مات مينو مما دعا زبيدة للعودة إلى مرسيليا الفرنسية حيث عاشت بها لفترة قصيرة حتى وفاة ابنها سليمان مراد ، وحينها لم تجد بدا من العودة إلى مصر حتى ماتت ودفنت فى بلدها رشيد.  

وذكرت المراجع الفرنسية: أن  ابن الجنرال مينو ورث لقب (الكونتيية) فغالبا هو الابن الثانى له الذى ولد بمرسيليا .


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط