EN 
ذكر في تعريف الكُتبُ أنها أوعية للمعلومات غير الدورية وُضِعت محتوياتها بطريقة منظمة؛ لتُقرأ من أولها حتى آخرها في تتابع.
هذا التعريف لا يهمنا بقدر أهمية الوظيفة التي يقوم بها الكتاب، المهم أن نعرف أنه هو المعلّم الأوّل للبشريّة وفوائده كثيرة سنحاول الحديث عن بعضها فقط؛ فهي تكاد لا تحصى مع تنوّع مواضيعه وعلومه.
ولعل أول هذه الفوائد تتمثل في إمداد القارئ بكمٍّ هائل من الكلمات والمصطلحات التي تثري مهاراته اللغوية بمصطلحات وتعابير وجمل جديدة، كما أنه عالم كبير بين يديك؛ بقراءته يتسع عالمك الفكريّ، وترى الأمور بوجهات نظر مختلفة عندما تتعرض للكثير من الأفكار المتناقضة و تتقبل الاختلاف ويرتفع وعيك بالعالم المحيط.
أما كونه مُحَّفِزًا قويًا للخيال فهذه فائدة أخرى تساعدك على الابتكار؛ فكل عبارة تقرأها تشكل في رأسك صورة حيّة، تصير مع الوقت أكثر إبهارًا، فلطالما ردد القارئ أن الرواية أجمل من الفيلم، لأنّهم يترجمون المواقف والعبارات بأنفسهم بشكل مختلف، ولعل أمتع ما في ذلك أن الكلمات التي قرأتها في الكتب تتحول إلى صورٍ حية في الدماغ، وليس مجرد كلمات.
ناهيك عن المعرفة بأمور جديدة حصل عليها القارئ من الكتاب، وكان في السابق يجهلها؛ لأنه لم يفكر بها أصلًا، أو لأنها ترتبط بأماكن بعيدة لا يستطيع الوصول إليها، لكن الكتاب قد أتى بها إليه فتعلّم كل شيءٍ عن مكان ما أو عن علوم الطبيعة أو الأديان، وتوثيق تاريخ الدول والشخصيَّات التي لم تحظى بمقابلتها، حتى سمحت الكتب لقارئها بمقابلتهم والتعرف على سيرتهم ومدى ثقافتهم؛ فهي دليل يجمع الثقافات المختلفة،فيها يجد القارئ تفاصيل دقيقة عن عصور سابقة، وأقوام لن يستطيع رؤيتهم في الحقيقة، فنقلت له الكتب عنهم صورة حية كانت سبيلًا لرفضهم، أو التعاطف معهم وتأييدهم، وتبنِّى وجهة نظرهم، أو ربما اتباعهم؛ فهذا نبينا محمد ﷺ أعظم عظماء البشرية وأشدهم تأثيرًا قد اتبعه الملايين واعتنقوا الإسلام ومازالوا إلى الآن يتبعونه بسبب قراءة سيرته العطرة.
أما بعض القضايا المعاصرة كالقضيّة الفلسطينيّة مثلًا، فقد لعب الأدب العربيّ دورًا هامًا في إبرازها ومدِّها بالقوة التي تساعدها على الصمود والاستمرار بشكل مباشر، حتى تنهض مجددًا بعد النكسة.
وكذلك منها ما يوجهنا بشكل غير مباشر، فنستلهم منه القوة في مواجهة التحديات، كالقصص التي تبدأ بكارثة وتنتهي بعظة، كوفاة زوج أو حبيب أو أمٍّ أو فقدان أحد الحواس المهمّة، ثم في النهاية نجد أنّ أبطالها قد وجدوا السعادة أخيرًا رغم ما مرّ بهم، وتغلبوا على اليأس.
هذا بالطبع توجيه غير مباشر للسلوك وتغزيز القيم الإيجابية، والتخلي عن السلوك السيء عندما ينتقل بك الكتاب إلى حياة أخرى أكثر تفاؤلًا وإيجابية، فتتعرّف على تجارب الآخرين وتتعلّم منها، وتواجه بثقة ما تعرّضت له في الحياة الواقعية وتكون مستعدًا لما قد تتعرض له في المستقبل وتتعلّم حلَّ مشكلاتك بنفسك عند المرور بها بعد ذلك، فهو أفضل صديق لن تندم على وقت قضيته في قراءته مهما كان رأيك فيه.
وقيل أن أحد الأدباء دخل على الخليفة عبد الملك بن مروان فوجده يقرأ، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن الكتاب أنبل جليس، وآنس أنيس، وأصدق صديق، وأحفظ رفيق، وأكرم مصاحب، وأفصح مخاطب، وأبلغ ناطق، وأكتم وامق " محب "، يورد إليك، ولا يصدر عنك، ويحكي لك، ولا يحكي عنك.
