الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. ميرفت القباني تكتب: الطاقة بين الوعي والوهم

صدى البلد

في الطريق إلى الله تظهر المشاهدات، وتنبثق الشوارق، وتندلع أنوار القلب والعقل والروح. 

ولا يحدث التجلّي إلا بعد التخَلّْي والتحلي؛ فالتخلي بترك المنهيات، والتحلي بفعل المأمورات؛ حينها يتحول حال العبد؛ فيرى بعين الله، ويبصر ببصره، ويبطش بيده، ويمشي برجله. ففي الحديث القدسي:
(ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها). 

هؤلاء هم أهل المحبة والولاية؛ فاجتباهم الله لحبه ورضاه، ومنحهم الحكمة والبصيرة والسكينة. 

 وعلم الطاقة يحوي مشاهدات وتأملات، إذا أُخِذَت باسم الله تعالى؛ ففيها التوفيق والهداية والعلم النافع؛ وإلا أضلت وأََعْمَتْ. والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من علم لا ينفع ومن دعائِه - صلى الله عليه وسلم (وأعوذ بك من علم لا ينفع).

ويظن البعض أن تمارين اليوجا والتأملات هي الخلاص والمنجى من كل الهموم والمشكلات وسبب السعادة، ولا يَعرف هؤلاء أن السعادة في القرب من الله عز وجل والرضا بالقدر خيره وشره. 

والتوفيق والحِكمة هِبةٌ من الله تعالى يؤْتها من يشاء (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).  

وما يراه متأملو اليوجا من مشاهدات أثناء تأملاتهم ما هي إلا تدريب على الاتصال باللاَّ وعي في رؤية عوالم أخرى؛ فلا خلط بين مشاهدات العقل اللاَّ واعي والشوارق الإلهية؛ التي يهَبُها اللهُ لعبادهِ المُخْلَصين السائرين في الطريق إليه حيثُ لايطلبون غيرَ الله، ولا تُغريهم المشاهدات ولا الكرامات؛ فقلوبهم تهفوا إلى الله الواحد جلَّ شأنه؛ فهي لا تطلب غيره سبحانه وتعالى، ولا تنخدع بغيره؛ لأنها حجاب عن الله. وتأسيسا على ما مضى فيجب السعي والأخذ بالأسباب نحو ترقية النفس، وحسن التوكل على الله.

 فادعاء البعض من أهل الطاقة أن الإنسان بسعيه يستطيع أن يُخْرِج المارد الذي بداخله ليحقق ُمايريد مستدلين بقول الله تعالى ( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ) فهو ادعاء باطل واستدلال في غير موضعه.

 وهذا الدليل قد ناقشه المفسرون  حول وصول ثواب العمل الصالح إلى الميت من عدمه، فمنهم من منع ومنهم من أجاز على تفصيل يُراجع في كتب التفسير، ولا صلة له بفاعليةِ إرادة الإنسان كما يَدَّعون. 

  كما أن ادعاءَهم يتنافى مع ركن من أركان الإيمان وهو ( الإيمان بالقدر خيره وشره). 

ولو كان تدبيرُ الأمرِ بيد الخَلْق كما يدعون لكان الأنبياء والرسل  
   أولى الناس بذلك؛ فهم المعصومون وأولوا القوة والإرادة والتأييد بوحي الله تعالى، 
 والمعلوم أنهم أهل ابتلاء (أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياء)، وهم في دائرة قضاء الله وقدره، فإنسانُ يسعى ورزقهُ قليل وآخر أقل سعيًا ورزقةُ كثير. 

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). 

والعلاج بالطاقة الحيوية علاج فعَّال، وقد ثبت نجاحهُ في بعض الحالات ، لكن له ماله وعليه ماعليه، ولا بد لسالكهِ من رفع درجة الوعي الديني؛ ليختار المناسب الهادي ويترك غير المناسب المُضل. وعلم الطاقة إن أُخذ بوعي ديني أفاد وهدى وإلا أضر وأضل. وللأسف هذا  ما انتشر في الآونةِ الأخيرة؛ فهناك من يرون الصلاة جلسة تأملات كاليوجا، وهم بذلك يُبعدون الناس عن قُدسية الصلاة، ويرونَ السجود والركوع والتسبيح  موارد للطاقة قياسًا على الترانيم الموجودة في ديانات أخرى، وقس على ذلك باقي الشعائر حين تُفَلسف بتفسير الطاقة الحيوية. 

وهذا لب الخطر الذي  يَحُول بين طريق الهدى و الضلال؛ فهناك من يرون الصلاة
 جلسة تأمل طاقي؛ فيظهر من يقول: ولماذا أصلي خمس مرات باليوم؟ وقد اكتفيت باستمداد الطاقة في الصباح، وهي أعلى طاقة في النهار؛ فتتحول الأمور التعبدية إلى فلسفة سفسطائية؛ تضل من اتبعها فاحذروا من هذا الفخ. 

وأيضا يتجرأ البعض بتفسير الآيات القرآنية وهم ليسوا من أهل هذا العلم ولا يملكون أدواته؛ 
ليثبتوا نظرياتهم المضلله تحت شعارات مُسَلَّمَةٍ اِسْتُخْدِمَت لتزيف الوعي مثل: (التأمل- التواصل مع الذات- رفع الوعي واليقظة- التنوير - السمو)... وغيرها. 

وهذا لا يليق بعظمة القرآن فكيف يجرؤ على تفسير القرآن أي إنسان دون أن يكون عالمًا متخصصًا لمجرد ادعائه أنه درس في بلد إسلامي أو انتسب للأزهر الشريف في طفولته.

فلايصح تعليم الدين إلا من علمائه المتخصصين.

ولا يصح إقحامهِ في إلهامات وتمارين التأملات، أو علم النفس. وقبل علم الطاقة دعانا ديننا الحنيف إلى التدبر والتأمل في أنفسنا وفي مخلوقات الله، قال تعالى: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ*وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)  وقال عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ: "بَلَغَنِي أَنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ دَهْرٍ مِنَ الدَّهْرِ"، ولما سُئل الإمام علي رضي الله عنه: كيف عرفت ربك ؟ قال: عرفت ربي بربي، أي من خلال آيات ربي، وعرفت مراد ربي بمحمد صلى الله عليه وسلم .أليس هذا هو الهدف من علم الطاقة؟!.

 وعلى الساحة نجد المتحدثين في علم الطاقة قليلي الموضوعية، وللأسف هم كُثر إلا من رحم ربي، وعلى العكس تماما نجد من لم يفصل بين الطاقة وإرادة الله - تعالى؛ بل دمج بينهما فخرج لنا بالنافع المفيد، وأبعدنا عن الغث الرديء. 

فلا غيَّ ولا إضلال بل هُيامٌ في أنوار الله، وهذا هو المقصود. 

على عكس ما يفعله المتحدثون في الطاقة؛ فغالب مصطلحاتهم بعيدة عن الله، وهذا هو الضلال البعيد . ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ 
ومن الأمثلة التي تؤكد هذا المعنى هو: موقف 
  للدكتور إبراهيم الفقي رحمة الله عليه فقد دَرَس وطَبَّقَ علم الطاقة والتنمية البشرية، 
وأخذ بكل أسباب الصحة ومع ذلك مرض مرضًا خطيرًا ففهم أنها رسالة من الله تعالى وقال معقبًا على مرضه : أخذت بكل الأسباب ولكن علمني الله أن كل شيء بإرادته، وهذه حجة على من قال أن إرادة الإنسان فاعلة، والحقيقة أن الفاعل في الكون هو الله تعالى وإرادته هي النافذة (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ). 

وخلاصة القول: يجب أن يستزيد الإنسان بالعلم النافع الذي يتفق مع ديننا الحنيف ولا يتعارض معه، وأن يطور ذاته ويسعى بكل السبل للحراك الأرقي في كل نواحي الحياة، ويأخذ بالأسباب، ويُحسن التوكل على الله، ويؤمن أن كل شيءٍ بيدِ اللهِ لابيدهِ هو؛ فعليه السعي ومن الله التوفيق والنجاح،  ويسأل الله التوفيق لكل ما يحب ويرضى، ولا ينشغل بشيء عن الله فهو الذي يمدنا بالحياة والطاقة والإيمان والهداية والتوفيق. (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.