الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بـسنت شعراوي تكتب: خطوط حمراء

صدى البلد

في كل شخص – بشكل أو بآخر – تتعارض قوتان : الحاجة إلى العزلة والعطش للتواصل مع الناس " .. للكاتب الروسي "فلاديمير نابوكوف".

دائمًا ما يحتاج المرء للقليل من الراحة بعيدًا عن صخب الحياة وزحام الناس والمشاكل والضغوط النفسية ، يحتاج بطريقة ما الى هدنة استراحة قصيرة للاختلاء بذاته وإعادة بعض الحسابات وتصفية ذهنه من أعباء الدنيا وذلك يسمي "عزلة مؤقتة" وهي ضرورية، فالإنسان لا يستطيع مواصلة العمل والكد وسط ضغط  نفسي ومسئوليات ومشاكل وتواصل مباشر مع مختلف أنواع البشر والظروف التي قد تفرض عليه مجتمعيًا واقتصاديًا وعمليًا وأسريًا، دون أن يعطي نفسه لحظات للفصل عن كل ذلك ليجد نفسه ويعرف ماذا يريد، فيرغب بالانفراد ليجدد طاقته وقدرته علي المواصلة .

وهو ما يسمي في علم النفس "المساحة الشخصية" وتعريفها في المصطلح الأدبي : "هي حدود غير مرئية تحيط بشخص يمكن كسرها من خلال الغزو المكاني أو الوعيّ بأفعال وسلوكيات وصفات الآخرين".

ومصطلح "غزو" هنا جاء كتعبير عن اقتحام الآخرين للمساحات الشخصية للأشخاص، وهي أنواع فهناك: (غزو جسدي – غزو حسي – غزو مكاني) .

الغزو الجسدي : وهو ما قد يواجه كل منا أثناء ركوب إحدى وسائل النقل مثل : "الحافلة أو الطائرة أو القطار" والمسافة بينك وبين الطرف الآخر قريبة جدًا يبُعد عنك سنتيمترات فقط ، فقد تجد من يحدق بك أو يحوم حولك أو تلامس معك عن طريق الخطأ بذراعيه أو قدميه؛ لضيق المكان.

الغزو الحسي : وهو كل ما يخص الحواس البشرية مثل : "الضوضاء كالتحدث بصوت عال والروائح الكريهة للبعض وإهمال النظافة الشخصية والطعام والشراب ومحاولة فتح محادثات غير مرغوبة والأسئلة الشخصية والأشهر على الإطلاق هو استراق السمع أثناء التحدث عبر الهاتف او استراق النظر أثناء الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي.

الغزو المكاني : وهو عندما يتعدى الآخرون على مساحتك الشخصية بمتعلقاتهم أو الجلوس في المقعد المخصص لك أو استخدام متعلقاتك الشخصية .

كل ذلك يؤدي للشعور بعدم الراحة النفسية والتوتر والانزعاج والغضب.. ولذلك علينا جميعًا أن نحترم المساحة الشخصية لدى كل منا، ومراعاة مشاعر بعضنا لبعض.

ومن جانب آخر فإننا لم نخلق ليعيش كل منا في عالمه الخاص، كما أنه لا أحد منا يستطيع العيش في عزلة تامة ووحدة وخوف، التواصل مع الآخرين يولد نوعا من الود والأمان والأنس والألفة.

الاختلاط يوسع مدارك الإنسان حين يتعامل مع أشخاص ذوي أنماط مختلفة، صحيح أن بعض البشر التعامل معهم ضار وبعض العلاقات سامة ولكن في قلب الضرر يقبع النفع، فالتجربة تزيد من إدراك ووعي الإنسان، وتجعل منه شخصًا أقوى وأنضج.

فيقول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: " لا يُلدغُ المؤمن من جحر واحد مرتين".. ولذلك فعليك تعلم الفرق ما بين العزلة والمساحة الشخصية.. فخذ قسطك من الراحة ومساحتك الشخصية التي تعيد تأهيلك لشخص أفضل وأقوى قادر على مواجهة الحياة كل يوم بابتسامة وهدوء وشغف.

ولكن عليك أيضًا أن تتخير الأشخاص الذين تود أن تكمل معهم في رحلة الحياة، اجعل لنفسك دائرة خاصة ولون حدودها بخط أحمر، ثم اصطف الأشخاص بدائرتك الخاصة جيدًا، كالعائلة وبعض الأصدقاء الأوفياء ..وباقي الأشخاص هم عابرون، فاجعل أثرك فيهم طِيب القلب وحُسن الخلق.

وبمجرد أن تتعلم الموازنة بين احتياجاتك، وتسير وفقًا للخطوط الحمراء فيما يخص مساحتك الشخصية ، ودائرة علاقاتك والخطوط الحمراء في سلوكك ومبادئك وتعاملاتك .. وقس ذلك على جميع الأمور من حولك، فستسير الأمور بانسجام وراحة.