نسير على أقدامنا بضعة خطوات بعد الاستاد الشرقي في سوهاج كي نذهب إلى موقف الميكروباص، فترى أعيُننا عدة فتيات يجلسن على الرصيف مُرتصة أمامهن قناديل الذرة، التي يسعن على لقمتهن من خلال بيعها للمارة.
"سخنة وطرية.. الواحد باتنين جنيه.. تعالي يا أبلة.. اشتري يا أستاذ"، هكذا تُنادي مروة التي مازالت خطاها في العقد الثاني من العمر وهي تجلس على جانب الطريق أعلى الرصيف الجانبي للموقف الكائن بمنطقة ناصر شرقي محافظةسوهاج، ترتدي جلبابًا خفيفًا لا يُدفئها من شدة البرودة ولا يحميها من حرارة الشمس.
اقرأ أيضاً:
يتدلى النقاب على وجهها خشية أن يراها أحد أبناء مركز أخميم التي تسكن به، ويتنمر عليها رغم أنها تسعى على رزقها ورزق أسرتها المكونة من تسعة أفراد بعمل حلال مكسبه، "ما هو أنا شغلي حلال الحمد لله بس هو محدش سايب حد في حاله".
"عندي 16 سنة وأخواتي بنتين و4 أولاد وكلهم أصغر مني وأبويا راجل غلبان وامي متعرفش تعمل حاجة"، بهذه الكلمات بدأت مروة التحدث مع "صدى البلد"، موضحة أنها وأشقاؤها الستة من يعملون ويصرفون على احتياجات منزلهم لعدم قدرة والدتها على العمل وقلة دخل والدها الذي ليس له عملًا ثابتًا أو ذات دخل ثابت.
تبيع الفتاة وشقيقتيها الذرة ويُلملم أشقاؤهن الأربعة البلاستيك من صناديق القمامة بالشوارع، ويسترزقوا جميعًا مُتكاتفين؛ كي يُساندوا والديهم ويعيشون حياة كريمة لا يحتاجون فيها لأحد، لكنهم يُعانون من سوء مُعاملة الآخرين لهم، وعدم احترامهم من البعض، وتعرض الفتيات للتحرش من أكثرية الشباب بالسوق والمناطق التي يجلسون بها لبيع الذرة.
وبنبرة حزن مُمتزجة بالغضب نابعة من إحساس بقسوة الزمن أردفت مروة قائلة: "أنا نفسي ألاقى شغل في مصنع أو أي حاجة أنا هفهم في أي حاجة حتى لو معرفهاش هتعلمها بسرعة"، وهنا صمتت قليلًا لتلتقط أنفاسها وتُجفف دموعها ثم تستعيد قوتها للحظات لتُناشد اللواء طارق الفقي، محافظ سوهاج، بإيجاد فرصة عمل جيدة لها براتب شهري حتى تستطيع أن تفعل منه شيئًا لأسرتها وينال أشقاؤها نصيبًا من التعليم بدلًا من نصيبها التي لم تنل منه قدرًا ولو بسيطاً.
"إحنا مش بنشحت احنا بناكل لقمتنا بشقى يوم كامل بخرج من بيتي الصبح الساعة 6 وآجي هنا وأقعد أناجي ربنا عشان يحنن قلب اللي قدامي ويشتري مني وارجع بـ 30 ولا 40 جنيه في يومي عشان أعرف يوم الاربع اشتري خضار أفرش بيه يوم الخميس في السوق واسترزق.. إحنا ناس متستحقش التكريم بعد كل اللي إحنا فيه بنظر المسئولين بس ربنا هيكرمنا في الآخرة وده أحسن من تكريمات الأرض".