الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: المرأة وثقافة الاستهلاك

صدى البلد

كثيرة هي القضايا والمصائب التي تعاني منها المرأة في مجتمعاتنا بشكل عام وان اختلفت النسبة من مجتمع لآخر، لتبقى هذه المشاكل تؤرق مخيلتنا وحياتنا بكل تفاصيلها. نكتب عنها الكثير ونتحدث بها في أية جلسة نسوية أو عامة، إلا أن كل تلك المواقف لا تخرج من إطارها التنظيري والشفهي ولا تدخل الحيز العملي أو أفعالنا وسلوكنا في الحياة. وحتى أنه ثمة نساء لا يرونها مشاكل ينبغي التوقف عليها وحتى مناقشتها لأنها من صغائر الأمور وعليه يجب التفكير في المستقبل أو أن ما نعيشه الآن يختلف عما عاشته جداتنا وأمهاتنا سابقًا، وحتى أن جيل هذه الأيام يختلف كليًا من كافة النواحي عمّا عشناه نحن.

تبريرات كثيرة يمكن للمرأة أن تجدها كي تغفر أو تعفو عن ذاتها وتبرر سلوكها الذي يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة ثقافة الاستهلاك على حساب الثقافة الإنتاجية للمرأة الذي كان يومًا سبب الترابط العائلي ضمن الأسرة وتفوقها في بناء جيل يعتمد على نفسه في كافة الأمور. وبالنظر إلى الثقافة المنتشرة الآن عند معظم النساء في أي مكان نرى أنهن لا يهتممن بزرع ثقافة الاعتماد على الذات أثناء تربيتهن أطفالهن، وهذا نابع من شعور المرأة أنه عليها ان تتحرر من خدمة عائلتها بسبب انشغالها في الكثير م الأمور الأهم من ذلك. ولكن حينما تتابع مسيرة هذه المرأة لا ترى أي شيء مهم في حياتها سوى كثرة النوم هربًا من الواقع الذي تعيشه والتي لا تريد أن تتعايش معه. تهرب من كل شيء تراه أمامها حتى أطفالها التي تدعي أنها عشقهم وتعمل المستحيل من أجلهم نظريًا، أما عمليًا فلو تمعنا النظر في تقرباتها وسلوكها نرى أن المرأة لا تعير هذه الأشياء اهتمامًا يذكر بقدر ما تهتم بنفسها فقط.

حلمها الذي كانت تتخيله هو أن يأتي فارس الأحلام على صهوة فرس أبيض وتكون هي سندريلا عصرها وسيدها، يتحطم في أول حقيقة تواجهها في أنه ليس هناك لا فارس وحصان أبيض، وكل ما هو موجود ليس إلا رجل جعلها تعيش تلك الأحلام حتى يتم الدخول عش الزوجية، وليظهر ما كان مخفيًا ولا يُقال وأن بناء البيت متطلباته كثيرة جدًا وفارس الأحلام لا يستطيع تلبية احتياجاتها كلها، لتبدأ المشاكل في الظهور رويدًا رويدًا وتستفحل ليصلا لمفترق طريقين لا ثالث له، فإما أن تقتنع بما هو موجود وتصمت على كل شيء مع تقديم التنازلات أكثر وأكثر لحسابات كثيرة وأهمها الثقافة المجتمعية ونظرتها للمطلقة أو أنه مكتوب عليها وقدر يجب التعايش معه وهي سنة الحياة، أو أن يحصل التمرد بين الطرفين لتنتهي تلك العلاقة للانفصال وهذا ما هو رائج نوعًا ما نظرًا للاحصائيات الرسمية التي يتم تداولها.

بين كلتا الحالتين نرى أن المرأة بشكل عام متأثرة كثيرًا بثقافة الاستهلاك وأن تأتي بكل شيء جاهز إن كان من المطاعم بالنسبة للأكل أو احتياجات المنزل أيضًا. إذ، لا تتعب المرأة نفسها في تحضير الطعام أو تأمين احتياجات المنزل ورفعها لحين لزومها، بل حتى مجرد التفكير بهذه الأمور بات تهمة على أن المرأة كما يقال "دقة قديمة"، وأنها غير مواكبة للتطور وما زالت تعيش الماضي التعيس. 

وكثيرًا ما ترى المرأة في قراءة كتاب عملية فاشلة وغير جيدة في ظل التطور الرقمي المذهل الذي نعيشه. متابعة صفحات التواصل من فيسبوك وانستغرام ونشر الصور وقراءة بعض البوستات يعتبر من الناحية التعليمية أكثر فائدة من قراءة كتاب قد يطول لأيام وخاصة نحن في عصر السرعة، وكأن الأيام ستضيع مننا ولن يكون بمقدورنا اللحاق بها. متابعة فساتين وصور الأكل لهذه الفنانة أو تلك الشخصية بات أمرًا ضروريًا ومهمًا أكثر من عملية زيادة الوعي عندها ورفع المستوى الثقافي. معظم النساء لا يردن أن يعترفن أن ما يقمن به من سلوكيات ومواقف وحتى طريقة الكلام سيكون له تأثير مباشر على الأطفال الذين يتعلمون من أمهاتهن كل حركة يقمن بها. بهذا الشكل تكون المرأة مدرسة إن هي أحسنت من شخصيتها وسلوكها ونتائجه ستكون على الأطفال مباشرة، أما عكس ذلك فإن الأطفال سيكونوا نسخة مسخة من أمهات الفيسبوك والانستغرام ولا تفكر إلا بما سترتديه في هذا الفرح أو تلك السهرة، واستهلاكية بكل معنى الكلمة وليس لها أية علاقة بأن تكون مدرسة.

كانت المرأة تاريخيًا لا تقبل على نفسها أن تكون اتكالية على الغير، بل هي المنتجة دائمًا لكل شيء بدءًا م العلوم والزراعة والحصاد وتربية الأطفال حتى غدت آلهة ومدرسة بكل معنى الكلمة ومنتجة بنفس الوقت وهو ما كان متعلق بالشرف بشكل مباشر. فالمرأة المنتجة كانت صاحبة الشرف في أن تؤمن كل شيء لأسرتها وجعلهم لا يحتاجون أحد في أي شيء، أما المرأة المستهلكة والاتكالية فقد كانت توسم بقلة الشرف لأنها لا تستطيع تأمين قوت لأفراد أسرتها. فمسألة الشرف من عدمه يتعلق بالجهد والكدح والجهد وبالتالي الإنتاجية.

شتّان ما بين المرأة قديمًا وما نعيشه في الوقت الراهن من ظاهرة انتشرت كثيرًا ولا نأخذ بالنا منها وهي الاتكالية والاستهلاك.