الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: الاعتماد على النفس لا ينافي التوكل على الله

صدى البلد

لا ترى ولا تسمع بقصة نجاح إلاَّ وكان لصاحبها صفات خاصة أبرزها هو الاعتماد على النفس وعدم انتظار المعونة من أحد، بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى، الذي أمرنا بالأخذ بالأسباب.

لكن الخطأ قد تسرَّب إلى الأفهام واختلط الأمر في معنى التوكُّل عند كثير من الكسالى والعاجزين، فحملوه على معنى آخر يبرر لهم القعود، وعدم اتخاذ الأسباب والخلود إلى الراحة، فأفشلوا بذلك حياتهم الخاصة، وعطَّلوا أعضاء المجتمع عن العمل، فعجز عن التقدم، وتفشى بين أفراده الفقر، وحاق بهم الذل والمسكنة.
 
فظن المتربصون من أصحاب المطامع والغايات أن الإسلام نفسه هو دين التواكل والكسل والقعود؛ بسبب هذه المظاهر، وما يرونه من بعض المسلمين، فاستثمروا تكاسلهم في إفساد صورة الإسلام وتشويهه، وترغيب المسلمين أنفسهم في مدنيتهم وتقدمهم، فيكونون لهم حجة على الإسلام في الشرق والغرب دون أن يشعروا بمسئوليتهم في طمس الحقائق وتبديل التاريخ الإسلامي الحافل بالانتصارات العظيمة التي أحرزها رجال أفذاذ، والترقيات العلمية والاجتماعية والاقتصادية التي حصل عليها المسلمون الأوائل؛ بسبب نشاطهم الدائب وجهدهم المتواصل، لأنهم فطنوا إلى أن الانتصارات العلمية إنما تحققها الأمم التي تثق بتوفيق الله، فتثق بنفسها وتعمل بجد معتمدين على جهودهم فقط، ولا ينتظرون المساعدة من أحد؛
لأن من يعتمد على الناس، ويرتزق من حصيلة غيره لا يستطيع أن ينال حريته ولا يمتلك قراره، فيصير بين الناس ضعيفًا، فقال تعالى في كتابه الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] ثم ألم تر أيها المتكاسل أن الله قال لمريم لما ولدت عيسى عليه السلام:{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } عندما حان وقت ولادتها وهي مسافرة في صحراء بيت لحم، فبدأت تشعر بآلام الولادة وفي تلك الأثناء فجّر الله تعالى لها الماء من تحت قدمها حتى تشرب منه، وكانت بالقرب من نخلة فأمرها الله تعالى أن تهز النخلة حتى يتساقط عليها الرطب، ولو شاء الله لأحنى إليها الجذع من غير تعب وجهد وأسقط عليها الرطب، ولكن لكل شيء سبب، فلما توكلت على الله وأخذت بالأسباب، هزَّت الجذع في فصل الشتاء فصار وجود التمر في غير وقته، وأسقط الله عليها رطبًا جنيًا، وقيل أنه كان جذعًا يابسًا فلما هزته اخضر وأورق وأثمر بأمر الله.

ولأن المسئولية يوم القيامة ستكون فردية، وسيقف كل فرد  وحده أمام الله يُسأل عمَّا اقترفته يداه، ولا يُسأل سواه عن أعماله أو يُثاب غيره على حسنة قدمها لنفسه في الدنيا، فإن النجاة في الدنيا أيضًا مسئوليّة فردية.

وبالتأمل نجد أن الله خلق الإنسان وفطره على تحمل المسئوليّة والاعتماد على النفس، وهي فطرة ليست في الصغار من بني آدم فقط، بل طبيعة أصيلة في صغار جميع المخلوقات، ولعل تكالب الطفل على الأكل بيده دون مساعدة أبويه، ورفضه التناول من أيدي الآخرين أكبر دليل على ذلك، ولكن تشوهت هذه الفطرة مع مرور الوقت، وربما تموت وتنتهي تمامًا بفعل البيئة التي حوله، فيكون الفشل حليفه؛ حيث للنجاح سنن أبرزها الاعتماد على النفس، فلا ترى ناجحًا من حولك إلا وكانت صفة الاعتماد على النفس فيه بارزة.

ولعل الفائدة تتضح مما قيل في تجربة قام بها رجل كان يراقب فراشة وليدة في شرنقتها وهي تحاول الخروج للحياة من ثقب صغير حتى توقفت عن الحركة كأنما فشلت في الخروج ويئست من المحاولة، فقرر أن يساعدها على الخروج و أزال الغشاء فخرجت الفراشة، لكنها بدت ضعيفة ومرهقة، فظل الرجل يراقب الفراشة باهتمام متوقعًا أن تبسط جناحيها الضعيفين وتتأقلم مع البيئة الجديدة وتطير، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، وبدأت تزحف بجسمها الهزيل وجناحيها الضعيفين، ولم تتمكن من التحليق.

لم يدرك الرجل الذي أراد المساعدة أنه حرم الفراشة من بذل الجهد اللازم لإكساب جناحيها القوة التي تؤهّلها للطيران ومواجهة الحياة، عندما تتمكن من اختراق شرنقتها بنفسها. 

هي تجربة لا أعلم مدى واقعيتها، لكنها في النهاية أتت بالفائدة التي نبحث من أجلها وهذا ما يهمنا في هذا المقام؛ علنا نراجع أنفسنا ونعتمد عليها، ونعاتبها على جميع ما نزل بنا من البلاء؛ بسبب تكاسلنا، وألاَّ أن نعتب الأقدار؛ فإن الله تعالى ما ظلمنا ولكن ظلمنا أنفسنا باعتمادنا على الغير.

ألم نقرأ قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}؟ لقد أمرنا الله بالسير في الأرض والاعتبار بأحوال الأمم فسرنا، وشاهدنا الأمم النشيطة المعتمدة أفرادها قد سادوا على العالم، واستخدموا أفراده وجماعاته، لكننا ويا للأسف اكتفينا بالمشاهدة فقط ولم نعتبر.